كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 12)

فصل
ونذكر ههنا: ما قاله الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في معنى الاستواء، وأنه العلو والارتفاع، قال رحمه الله تعالى: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه:
منها: انتهاء شباب الرجل وقوته; فيقال إذا صار ذلك: قد استوى الرجل; ومنها: استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره إذا استقام له بعد أود، من قول الطرماح بن حكيم:
طال على رسم مهده أبده ... وعفى واستوى به بلده
يعني استقام به، ومنها: الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوؤه، بعد الإحسان إليه; ومنها: الاحتياز والاحتواء، كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها; ومنها: العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه، وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [سورة البقرة آية: 29] علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات.
والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب، في تأويل قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [سورة البقرة آية: 29] ، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربا عند نفسه، من أن يلزمه بزعمه، إذا تأوله بمعناه المفهوم، كذلك أن يكون إنما علا وارتفع، بعد

الصفحة 516