كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 12)

الْخَصِيصَةُ الثَّالِثَةُ: امْتِنَاعُ الْعِتْقِ بِالْمَرَضِ، سَبَقَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُحْسَبُ مِنَ الثُّلُثِ، وَأَنَّ الْعِتْقَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ وَقَدْ يَنْدَفِعُ لِوُقُوعِهِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بَعْدَ حَطِّ قَدْرِ الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدٌ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا ثُلُثُهُ، وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، مَاتَ، وَثُلُثُهُ حُرٌّ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَهَلْ يَمُوتُ كُلُّهُ رَقِيقًا، أَمْ كُلُّهُ حُرًّا، أَمْ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقًا؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ: الْأَوَّلُ، وَبِهِ أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ فِي مَجْلِسِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْمَحْمُودِيِّ، فَرَضِيَهُ وَحَمِدَهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَا يَعْتِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ هُنَا شَيْءٌ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَوْ وَهَبَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَأَقْبَضَهُ، وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ، يَمُوتُ رَقِيقًا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَيَلْزَمُهُ مَئُونَةُ تَجْهِيزِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمُوتُ حُرًّا، مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ، وُزِّعَتِ الْمَئُونَةُ عَلَيْهِمَا.
الثَّانِي: إِذَا كَانَ لِهَذَا الْعَبْدِ وَلَدٌ مِنْ مُعْتِقِهِ، كَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمُوتُ حُرًّا، أُنْجِزَ الْوَلَاءُ إِلَى مُعْتِقِ الْأَبِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَعْتِقُ ثُلُثُهُ، أُنْجِزَ وَلَاءُ ثُلُثِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ سِوَاهُ، وَمَاتَ الْعَتِيقُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: لَا يَجِبُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ، فَإِذَا لَمْ تَبْقَ إِلَى الْمَوْتِ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحِسَابِ، قَالَ: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِنَا حُكْمُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَحُكْمِهِ لَوْ عَاشَ، أَنْ يُحْسَبَ

الصفحة 136