كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 12)

عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: كُنْتُ أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى قِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا وَقْتَهَ، وَأَمَّا الْعَقِيدَةُ، فَإِذَا ادَّعَى حَنَفِيٌّ عَلَى شَافِعِيٍّ شُفْعَةَ الْجَارِ، وَالْقَاضِي يَرَى إِثْبَاتَهَا، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْقَاضِي، وَيَلْزَمُهُ فِي الظَّاهِرِ مَا أَلْزَمَهُ الْقَاضِي، وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْبَاطِنِ؟ وَجْهَانِ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ: نَعَمْ، وَالثَّانِي: لَا، وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ بَاطِنًا، فَلَوْ حَلَّفَهُ الْمُجْتَهِدُ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ لَمْ يَأْثَمْ.
قُلْتُ: هَذَا إِذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ، أَمَّا إِذَا حَلَفَ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً، أَوْ حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي مِنْ قَاهِرٍ، أَوْ خَصْمٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَالِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ بِلَا خِلَافٍ، وَيَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ قَطْعًا، سَوَاءٌ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَغَيْرِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنِ الْأَصْحَابِ ذَكَرَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي الْحَالِفِ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ، وَقِيلَ: كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى لَوْ أَقَرَّ لِمَطْلُوبِهَا أُلْزِمَ بِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ، حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقُبِلَ مِنْهُ، وَيُسْتَثْنَى عَنْ هَذَا الضَّبْطِ صُوَرٌ، فَنَذْكُرُهَا مَعَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ، إِحْدَاهَا: يُجْزِئُ التَّحْلِيفُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْئَةِ، وَفِي الْإِيلَاءِ، وَفِي الْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالْوَلَاءِ، وَالنَّسَبِ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا بِطَلَبِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، بِأَنْ قَذَفَهُ، فَطَلَبَ حَدَّ الْقَذْفِ، فَقَالَ الْقَاذِفُ: حَلِّفُوهُ أَنَّهُ لَمْ يَزِنِ

الصفحة 37