كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 12)

لَهُ تَحْلِيفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْلِيمُ بِاعْتِرَافِهِ إِذَا قُلْنَا: الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ كَالْبَيِّنَةِ.
فَرْعٌ
هَلْ لِلْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إِقَامَةُ بَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ؟ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ اشْتِرَاطُهُ، وَغَيْرِهِ مَنْعُهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ الْإِمَامَ حَكَى عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا، نَصَبَ الْحَاكِمُ مُسَخَّرًا عَنْهُ، كَانَ الْمُرَادُ هُنَا إِذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، وَهُنَاكَ إِذَا كَانَ غَائِبًا، وَالْأَصَحُّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى حُضُورِهِ، وَلَا إِلَى نَصْبِ مُسَخَّرٍ، وَلَوْ وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، اسْتَغْنَى عَنْ حُجَّةٍ يُقِيمُهَا إِنْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ هَلْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ؟

الطَّرَفُ الرَّابِعُ: فَائِدَةُ الْيَمِينِ وَحُكْمُهَا، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ، وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ، لَا سُقُوطُ الْحَقِّ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، سُمِعَتْ، وَقُضِيَ بِهَا، وَكَذَا لَوْ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَنَكَلَ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ وَقْتَ التَّحْلِيفِ لِلْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَ قَالَ حِينَئِذٍ: لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةٌ وَلَا غَائِبَةٌ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرْنَاهَا فِي الطَّرَفِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ مَضْمُومَةً إِلَى مَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا بَيِّنَةَ لِي، وَفِيهِمَا خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ السَّمَاعُ أَيْضًا، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةٌ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً سُمِعَتْ، فَلَعَلَّهَا حَضَرَتْ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ وَلَا أُقِيمُهَا، بَلْ أَرَدْتُ يَمِينَهُ، أَجَابَهُ الْقَاضِي، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ، بَلْ يَقُولُ: أَحْضِرِ الْبَيِّنَةَ.

الصفحة 40