كتاب أحاديث في الفتن والحوادث (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء الحادي عشر)

...................................................................................................
__________
وهكذا روى عن أبي هريرة وابن عبّاس وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه أخبر بِنُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحَكَماً مقسطاً.
وليس المراد بِنُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إنّه يَنْزِل بشرية متجدّدة غير شريعة نبيّنا محمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وإنّما نزل مقرِّراً لهذه الشّريعة، ومجدِّداً لها؛ إذ هي آخر الشّرائع، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ آخر الرّسل.
قال الله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، [الأحزاب، من الآية: 40] .
وقال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لا نَبِيَّ بَعدي".
وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأكلمها وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فكان مَن دخلها ونظر إليها قال: ما أحسنها إلاّ موضع هذه اللّبنة! فأنا موضع هذه اللّبنة ختم بي الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ. رواه أبو داود الطّيالسي، ورواه الخباري ومسلم والتّرمذي إلى غير ذلك من الأحاديث.
وأجمع المسلمون على أنّه لا نبي بعد نَبِيّنا محمّدٍ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وأنّ شريعته مؤبّدة إلى يوم القيامة.
والحكمة في نُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ دون غيره من الأنبياء: الرّدّ على اليهود في زعمه: أنّهم قتلوه، فبيّن الله تعالى كذبّهم، وأنّه الذي يقتلهم.
أو نُزُوله لدنوّ أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التّراب أن يموت في غيره.
وقيل: إنّه دعا الله ـ لما رأى صفة محمّدٍ وأمّته ـ أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتّى يَنْزِلَ في آخر الزّمان مجدِّداً الأمر الإسلام، فيوافق خروج الدّجّال فيقتله، والأوّل أوجه.

الصفحة 215