كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 12)

خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فلما رآني تبسم؛ لأنه عرف أن به جوعاً، قال: فذهبت معه، فجيء إليه بقدح من لبن، فقال لي: «ادع أهل الصفة» يريد أن يسقيهم من اللبن، فقال أبو هريرة في نفسه: إذا دعوت أهل الصفة فماذا يبقى لي؟! ولكن لا بد لي من امتثال أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فذهب ودعاهم، وكانوا أحياناً يبلغون ثمانين رجلاً، فجاءوا وشربوا كلهم من هذا الإناء، وبقي فيه شيء، وكان أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ هو ساقيهم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اشرب أبا هر»، فشرب، ثم قال له: «اشرب»، فشرب، حتى ما وجد مكاناً للبن في بطنه، فقال: والله يا رسول الله لا أجد له مساغاً، فأخذ العلماء من هذا أنه يجوز للإنسان أن يملأ بطنه من الطعام، لكن أحياناً.
وانظر إلى البركة فهذا الإناء كفى أهل الصفة، وأبا هريرة، وبقيت فيه بقية، وكان يقول: إن الناس يقولون لي: أبا هريرة، وإن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمَّاني أبا هر (¬1)، والأحسن أبو هر؛ لأنه مكبر، ولأنها تسمية النبي صلّى الله عليه وسلّم له، ولهذا كان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أحسن الألقاب عنده أبو تراب، لأنه كان نائماً يوماً في المسجد، وقد علق التراب بجسمه، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يمسح عنه التراب، ويقول له: «قم أبا تراب» (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في الرقاق/ باب كيف كان عيش النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ... (6452) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
(¬2) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم/ باب مناقب علي بن أبي طالب (3703)؛ ومسلم في الفضائل/ باب من فضائل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ (2405) عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ.

الصفحة 373