كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 12)

وإذا حرم الوطء في الحيض فيجوز ما سواه، من المباشرة والجماع دون الفرج، وما أشبه ذلك؛ لأنه إذا كان الأصل الحل فإنه لا يخرج عن الأصل إلا ما قُيِّد بالوصف فقط، وهو الجماع.
فإذا قال قائل: كيف تقول: إنه الجماع، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}، وهذا يقتضي أن الزوج يعتزلها حتى يكون فراشه غير فراشها، وأن لا يقربها أيضاً؟
فالجواب: أن هذا من باب التوكيد؛ لأن السنة بينت ذلك، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» (¬1)، وأخبرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرها، فتتزر، فيباشرها وهي حائض (¬2)، فالتعبير بالعبارتين: {فَاعْتَزِلُوا}، {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} من باب التوكيد والتنفير، وذلك واضح؛ لأن النفس تدعو إلى جماع الزوجة، لا سيما إذا كان شاباً وهي شابة، فيحتاج الحكم بالتحريم إلى عباراتٍ جزلة، توجب النفور من هذا العمل، ومن رحمة الله ـ عزّ وجل ـ أنه لا يمنع شيئاً إلا أحل ما يقوم مقامه، ولو من بعض الوجوه، وهو المباشرة دون الفرج.
لكن ينبغي لمن أراد ذلك أن يأمر زوجته فتتزر، وأن لا
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في الحيض/ باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله ... (302) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
(¬2) أخرجه البخاري في الحيض/ باب مباشرة الحائض (300)؛ ومسلم في الطهارة/ باب مباشرة الحائض فوق الإزار (293) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، واللفظ للبخاري.

الصفحة 397