كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 12)

وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَاوى (41)، (النازعات).
والناس على أصناف ثلاثة كما فصل الكتاب العزيز في عدة مواضع ومنها بداية سورة البقرة، المؤمن والكافر والمنافق، وقد أعطى القرآن كل صنف حقه من التفصيل.
وأما أمراض النفس والقلب فهي على نوعين أمراض الشك وأخطرها الشك بالغيب الذي أخبر عنه اللّه تعالى، وأعلى مراحله الكفر باللّه والعياذ باللّه، والنوع الآخر هو أمراض الشهوة ومنها شهوات الحواس كالفرج والبطن واللسان، وفي هذا تفصيل كبير، إذ تتفرع من هذين النوعين أنواع أخرى يطول المقام بشرحها.
16. تأثير نقض العهود وخلف الوعود على تصرفات وسلوك الشخص:
ثبّت القرآن الكريم حقيقة مهمة مفادها أن من ينقض العهد والوعد مع اللّه ومع الناس فإن مصيره ونتيجة عمله ستؤثر على سلوكه. هذا التأثير مفاده نفاق وتخبط بالتصرف يتبعه اختلال في الشخصية، وأما في الآخرة فعذاب مهين ما لم يستدرك بالتوبة* ومِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ولَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وتَوَلَّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77)، (التوبة). هذه الآيات كما تحدثنا كتب السيرة نزلت في الصحابي ثعلبة الذي أطلق عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حمامة المسجد، إذ كان لا يحضر صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المسجد يوما إلا ورآه قبله. لكن هذا الصحابي طلب من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسأل اللّه له الغنى، فلما ألح بالطلب عاهد اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين أنه إذا ما آتاه اللّه المال ليعطين كل ذي حق حقه. فلما دعا له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بما أراد آتاه اللّه مالا وغنما، ولما طلب منه دفع زكاتها رفض ونقض عهده، فدعا عليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فحرّم ماله على المسلمين ولم تؤخذ منه زكاة رغم ندمه لا في عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولا في عهد الخلفاء الثلاثة الذين تولوا أمر المسلمين من بعده أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللّه عنهم، ومات في عهد عثمان ولم تقبل منه زكاة فمات على الكفر.
وهنا نركز على أن نقض العهد يورث نفاقا في القلب وتخبطا في السلوك، وهو قوله تعالى فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وبِما كانُوا

الصفحة 52