كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله, فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلمَّا أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قوموا عني" قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وبين أن يكتب ذلك لاختلافهم ولغطهم.
قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب, مع صريح أمره لهم بذلك؛ لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنَّه ظهرت منه قرينة دلّت على أنَّ الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختُلِفَ اجتهادهم،
__________
بعضهم:" هو عمر "أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد غلبه الوجع, وعندكم القرآن حسبنا:" كافينا "كتاب الله", فلا نكلف النبي -صلى الله عليه وسلم- إملاء الكتاب في هذه الحالة، قال ذلك شفقة عليه, "فاختلف أهل البيت" الذين كانوا فيه من الصحابة, لا أهل بيته -عليه الصلاة والسلام، قاله الحافظ. "واختصموا" تنازعوا, "فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا" بفتح فكسر "بعده" فيه إشعار بأنَّ بعضهم كان مصممًا على الامتثال والرد على من امتنع منه, "ومنهم من يقول غير ذلك، فلمَّا أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قوموا عني" أي: عن جهتي، زاد في رواية في الصحيح: "ولا ينبغي عندي التنازع"، وفي أخرى: "عند نبي تنازع".
قال الحافظ: ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر، وقد مضى في الصيام أنه -صلى الله عليه وسلم- خرج يخبرهم بليلة القدر، فرأى رجلين يختصمان، فرفعت.
"قال عبيد الله" بضم العين- ابن عبد الله -بفتحها، راوي هذا الحديث عن ابن عباس: "فكان ابن عباس يقول: إن الرزيئة" بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ساكنة ثم همزة، وقد تسهل وتشدد الياء- أي: المصيبة "كل الرزيئة" بالنصب على التأكيد, "ما حال" أي: الذي حجز "بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين أن يكتب ذلك؛ لاختلافهم ولغطهم" بفتح اللام والغين المعجمة- أي: أصواتهم.
"قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك" بقوله: "هلموا أكتب"، وفي رواية: "ائتوني بكتاب أكتب"؛ لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلّت على أن الأمر ليس على التحتم, أي: القطع, "بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم" في أن كتبه أَوْلَى للإيضاح والبيان, أو تركه اكتفاء بالقرآن

الصفحة 106