كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
وصمَّم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك عن غير قصد جازم.
وقال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر: "حسبنا كتاب الله" من قوة فقهه ودقيق نظره؛ لأنه خشي أن يكتب أمورًا ربما عزوا عنها, فيستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء، وفي تركه -صلى الله عليه وسلم- الإنكار على عمر إشارةً إلى تصويبه، وأشار بقوله: "حسبنا كتاب الله" إلى قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء} [الأنعام: 38] ، ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: "إن الرزية.. إلخ"؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعًا، ولا يقال: إن ابن عباس لم يكتف بالقرآن مع أنه حبر القرآن، وأعلم الناس بتفسيره وتأويله، ولكنه قال أسفًا على
__________
وصمَّم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك من غير قصد جازم", وعزمه -صلى الله عليه وسلم- كان إمَّا بالوحي وإمَّا بالاجتهاد، وكذلك تركه إن كان العزم بالوحي فبالوحي, وإلا فبالاجتهاد أيضًا, وفيه حجة لمن قال بالرجوع إلى الاجتهاد في الشرعيات، هذا باقي كلام المازري كما في الفتح، فمعنى قوله: من غير قصد جازم: أنه قاله على وجه يفهم منه أنه لم يجزم بذلك، بل قاله مع التردد في الكتبة وتركها.
"وقال النووي: اتفق العلماء على أنَّ قول عمر: حسبنا كتاب الله من قوة فقهه" أي: فهمه "ودقيق نظره؛ لأنه خشي أن يكتب أمورًا ربما عجزوا عنها، فيستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء" فيفوتهم ثواب الاجتهاد, "وفي تركه -صلى الله عليه وسلم- الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه"؛ إذ لو تحتَّم لأنكر عليه ولم يتركه لاختلافهم، كما لم يترك التبليغ لخالفة من مخالفه, ومعاداة من عاداه, وكما أمرهم حينئذ بقوله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو: ما كنت أجيزهم...." الحديث في الصحيح "وأشار بقوله: حسبنا كتاب الله إلى قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء} [الأنعام: 38] بناء على أن المراد به القرآن، فإنه فيه أمر الدين إمَّا مفصَّلًا وإما مجملًا، وقيل: المراد اللوح المحفوظ؛ لاشتماله على ما يجري في العلم من جليل ودقيق, لم يهمل فيه أمر حيوان ولا جماد، ولا يحتمل أن يكون عمر قصد التخفيف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب, وقامت عنده قرينة بأنَّ ما أراد كتابته مما يستغنون عنه؛ إذ لو كان من غير هذا القبيل لم يتركه -صلى الله عليه وسلم- لأجل اختلافهم، وهذا من جملة كلام النووي المنقول عنه في الفتح. "ولا يتعارض ذلك قول ابن عباس: إن الرزيئة...... إلخ؛ لأن عمر كان أفقه" أي: أفهم "منه قطعًا و" لكن "لا يقال" في تعليل كونه أفقه "أنَّ ابن عباس لم يكتف بالقرآن" واكتفى به عمر،