كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
"الفتوح" أنَّ الأنصار لما رأوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزداد وجعًا، أطافوا بالمسجد، فدخل العباس, فأعلمه -عليه الصلاة والسلام- بمكانهم وإشفاقهم، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك، ثم دخل عليه علي بن أبي طالب كذلك. فخرج -صلى الله عليه وسلم- متوكئًا على عليّ والفضل, والعباس أمامه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- معصوب الرأس يخطّ برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر, وثار الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "يا أيها الناس، بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خُلِّدَ نبي قبلي فيمن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألَا إني لاحق بربي، وإنكم لاحقون به، فأوصيكم بالمهاجرين الأوَّلين خيرًا، وأوصى المهاجرين فيما بينهم، فإن الله تعالى يقول: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} إلى آخرها, وإنَّ الأمور تجري بإذن الله، ولا يحمّلنكم استبطاء أمر على استعجاله، فإنَّ الله -عز وجل- لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
__________
يزداد وجعًا أطافوا بالمسجد، فدخل العباس فأعلمه -عليه الصلاة والسلام- بمكانهم وإشفاقهم" خوفهم عليه الفقد, "ثم دخل عليه الفضل" بن عباس "فأعلمه بمثل ذلك، ثم دخل عليه علي بن أبي طالب كذلك" أي: كدخول مَنْ قبله, بأن ذكر له حال الأنصار, "فخرج -صلى الله عليه وسلم" حال كونه متوكئًا على علي والفضل, والعباس أمامه" قدَّامه, "والنبي -صلى الله عليه وسلم- معصوب الرأس" من الوجع "يخط برجليه" بضم الخاء "حتى جلس على أسفل مرقاة" درجة "من المنبر، وثار" اجتمع "الناس إليه" في المجلس, "فحمد الله وأثنى عليه" بما هو أهله "وقال: "يا أيها الناس, بلغني" من الثلاثة المذكورين "أنكم تخافون من موت نبيكم, هل خلد نبي قلبي فيمن بعث إليه" بالإفراد نظرًا للفظ من "فأخلد فيكم" بالنصب, وفيه تسلية لهم وتذكير بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ} "ألا" بالفتح والتخفيف, "وإني لاحق بربي، ألا وإنكم لاحقون به, وأوصيكم بالمهاجرين الأوّلين خيرًا" بأن تعرفوا حقهم وتنزلوهم منزلتهم, "وأوصى المهاجرين فيما بينهم" بالدوام على التقوى وعمل الصالحات, "فإن الله تعالى يقول: {وَالْعَصْرِ} الدهر, أو ما بعد الزول إلى الغروب أو صلاة العصر {إِنَّ الْإِنْسَانَ} الجنس {لَفِي خُسْرٍ} في تجارته, وتلاها "إلى آخرها", وأنه قال إلى آخرها "وإن الأمور تجري" أي: تقع "بإذن الله" أي: بإرادته, "ولا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله، فإن الله -عز وجل- لا يعجل بعجلة" أي: بسبب عجلة "أحد" , فلا فائدة في الاستعجال, بل فيه الهمّ والغمّ والنكال, "ومن غالب الله غلبه" الله, ومن خادع الله خدعه" والمفاعلة في الأمرين ليست مرادة، بل هي نحو: عافاك الله, وإنما