كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
وقوله: "كرشي وعيبتي" , أي: موضع سري, أراد أنهم بطانته وموضع أمانته، والذين يعتمد عليهم في أموره. واستعار الكرش والعيبة لذلك؛ لأن المجتر يجمع علفه في كرشه، والرجل يجمع ثيابه في عيبته، وقيل: أراد بالكرش الجماعة، أي: جماعتي وصحابتي. يقال: عليه كرش من الناس، أي: جماعة، قاله في النهاية.
وذكره الواحدي بسندٍ وصله لعبد الله بن مسعود قال: نعى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفسه قبل موته بشهر، فلمَّا دنا الفراق جمعنا في بيت عائشة فقال: "حياكم الله بالسلام، رحمكم الله، جبركم الله، رزقكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، آواكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأستخلفه عليكم، وأحذركم الله، إني لكم منه نذير مبين، أن لا تعلوا على الله في بلاده وعباده, فإنه قال لي ولكم: {تلك الدار
__________
أراد أنهم بطانته" أي: موضع سره "وموضع أمانته, والذين يعتمد عليهم في أموره".
قال القزاز: المثل بالكرش؛ لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه, "واستعار الكرش والعيبة لذلك؛ لأن المجتر يجمع علفه في كرشه, والرجل يجمع ثيابه في عيبته", وهي اسم لما يجمع فيه الثياب، وفي الفتح: ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده "وقيل: أراد بالكرش الجماعة، أي: جماعتي وصحابتي، يقال عليه كرش من الناس، أي: جماعة، قاله في النهاية".
قال ابن دريد: هذا من كلامه -صلى الله عليه وسلم- الموجز الذي لم يسبق إليه, وقال غيره: الكرش بمنزلة المعدة للإنسان, والعيبة مستودع الثياب, الأوّل أمر باطن, والثاني أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إراد اختصاصهم بأموره الظاهرة والباطنة, والأوّل أَوْلَى, وكل من الأمرين مستودع لما يخفى فيه، قاله الحافظ.
"وذكره الواحدي بسندٍ وصله لعبد الله بن مسعود قال: نعى" بالنون "لنا" أي: أخبر "رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفسه" أي: أخبر بموته "قبل موته بشهر، فلمَّا دنا الفراق جمعنا في بيت عائشة، فقال: "حياكم الله" أصله الدعاء بالحياة، ثم استعمل شرعًا في دعاء خاص وهو السلام، كما قال: "بالسلام رحمكم الله" أتاكم الله رحمته التي وسِعَت كل شيء, "جبركم الله" بالجيم- أصلحكم, "رزقكم الله" الحلال على ما هو اللائق في مقام الدعاء, وإن كان الرزق أعمّ عند أهل السنة, "نصركم الله" أي: أعانكم, "رفعكم الله" أي: رفع قدركم بين العباد, ورفع أعمالكم بأن يتقبلها منكم, "آواكم الله" بالمد والقصر والمد أشهر، أي: ضمكم إلى رحمته ورضوانه, وإلى ظل عرشه يوم القيامة, "أوصيكم بتقوى الله, واستخلفه عليكم, وأحذركم الله, إني لكم منه نذير مبين" بَيِّنَ الإنذار "أن لا تعلوا" تتكبروا "على الله في بلاده" بترك ما أمركم به وفعل ما نهاكم