كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

والصالحين وحسن أولئك رفيقًا".
وفي البخاري من حديث عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو صحيح - يقول: "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يحيا أو يخيّر" فلما اشتكى وحضره القبض, ورأسه على فخذ عائشة, غُشِّيَ عليه، فلمَّا أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: "اللهم في الرفيق الأعلى".
ونبَّه السهيلي على أنه النكتة في الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد، الإشارة إلى أنَّ أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد.
__________
والصديقين" أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق, "والشهداء" القتلى في سبيل الله, "والصالحين" غير من ذكر, "وحسن أولئك رفيقًا" أي: رفقاء في الجنة، بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم, وإن كان مقرهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم.
"وفي البخاري من حديث" الزهري، عن "عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو صحيح يقول: "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة" , وصريحه أن ذلك من خواصّ الأنبياء، ولا يخالفه حديث الصحيحين: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى....." الحديث, للفرق بأنَّ الأنبياء تعرض عليهم، ثم يخيّرون بخلاف غيرهم فلا يخيرون, وإن كان العرض عليهم قبل الموت كما هو مفاد الحديث الصحيح، فالخصوصية أيضًا عرضه حال الحياة بخلاف غيرهم, "ثم يحيَّا" بضم أوله وفتح المهملة وتشديد التحتانية بعدها, "أو يخير" شك الراوي هل قال: يحيا أو قال: يخير" قاله الحافظ, "فلما اشتكى" مرض, "وحضره القبض, ورأسه على فخذ عائشة".
كذا في البخاري, وكأنه التفات، وقدَّمه المصنف: على فخذي بالمعنى, "غُشِّيَ" أي: أغمي "عليه، فلمَّا أفاق شخَصَ" ارتفع بصره" بالرفع فاعل, "نحو سقف البيت، ثم قال: "اللهم" اجعلني "في الرفيق الأعلى" , وفي بمعنى مع, أي: مع الجماعة الذين يحمد مرافقتهم، وهذا الحديث مَرَّ قريبًا وكأنه أعاده؛ لأنَّ ابن رجب ذكره كالمعارض لما قبله عن المسند، ويمكن الجمع بينهما بحمل قبض نفسه على شدة الاستغراق في رؤية الثواب, حتى كأنه قبض، فلا يخالف حديث البخاري الصريح في أن التخيير قبل القبض.
"ونبَّه السهيلي على أن النكتة في الإتيان بهذه الكلمة" أي: لفظع الرفيق "بالإفراد, الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد", وهي نكتة في الآية والحديث جميعًا.

الصفحة 121