كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
ولما غشَّاه الكرب، قالت فاطمة -رضي الله عنها: وا كرب أبتاه، فقال لها: "لا كرب على أبيك بعد اليوم" رواه البخاري.
قال الخطابي: زعم من لا يُعَدّ من أهل العلم أن المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا كرب على أبيك بعد اليوم" أنَّ كربه كان شفقة على أمته, لما علم من وقوع الاختلاف والفتن بعده، وهذا ليس بشيء؛ لأنه كان يلزم أن تنقطع شفقته على أمته بموته، والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة؛ لأنه مبعوث إلى مَن جاء بعده، وأعمالهم تعرض عليه، وإنما الكلام على ظاهره، وأنَّ المراد بالكرب ما كان يجده -عليه الصلاة والسلام- من شدة الموت، وكان فيما يصيب جسده من الآلام كالبشر؛ ليتضاعف له الأجر. انتهى.
وروى ابن ماجه: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: "إنه حضر من أبيك ما الله تعالى بتارك منه أحدًا لموافاة يوم القيامة".
__________
الله عنها: وا كرب أبتاه" بألف الندبة والهاء ساكنة للوقف وللنسائي: واكرابه.
قال الحافظ والأوّل أصوب لقوله: "فقال لها: "لا كرب على أبيك بعد اليوم" , وهذا يدل على أنها لم ترفع صوتها, وإلا لنهاها.
"رواه البخاري" من إفراده عن أنس عن فاطمة "قال الخطابي: زعم من لا يُعَدّ من أهل العلم" لغباوة فهمه "أنَّ المراد بقوله -عليه السلام: "لا كرب على أبيك بعد اليوم" أنَّ كربه كان شفقة على أمته, لما علم من وقوع الاختلاف والفتن بعده، وهذا ليس بشيء؛ لأنه كان" زائدة "يلزم" من ذلك "أن تنقطع شفقته على أمته بموته، والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة؛ لأنه" حيّ في قبر، ومبعوث إلى من جاء بعده، وأعمالهم تعرض عليه", فما وجده حسنًا حمد الله عليه, وما وجده سيئًا استغفر لهم, كما ورد عنه "وإنما الكلام على ظاهره, وأن المراد بالكرب ما كان يجده -علي السلام- من شدة الموت, وكان فيما يصيب جسده من الآلام كالبشر؛ ليتضاعف له الأجر, انتهى.
وملخصه: إن هذا الزعم تخيل أن شدة الموت لا تصيبه كغيره، فصرف الكرب إلى الشفقة, وما علم ما لزم عليه من انقطاعها, مع أنها لا تنقطع, وخفي عليه أنه في الآلام الحسية كغيره.
"وروى ابن ماجه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: "إنه" أي: الحال والشأن "حضر من أبيك" أي: عنده "ما" , وفاعل حضر محذوف، أي: أمر ليس "الله بتارك منه أحدًا لموافاة" أي: إتيان، أي: إنه مستمر لكل أحد إلى "يوم القيامة" أي: قربها هذا على ما في نسخ المصنف، وفيه