كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
وتوعّد من يقول: مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى -عليه السلام، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم. فأقبل أبو بكر من السنح حين بلغه الخبر إلى بيت عائشة فدخل، فكشف عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فجثا يقبله ويبكي ويقول: توفي والذي نفسي بيده، صلوات الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيًّا وميتًا، ذكره الطبري في "الرياض".
وقالت عائشة: أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد, فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة, فبصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مسجَّى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبَّله ثم بكى وقال: بأبي
__________
خفيف المرض، فقال له أبو بكر: أراك يا رسول الله قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب, واليوم يوم ابنة خارجة أفآتيها، قال: نعم، فذهب فمات في غيبته, "فسلَّ عمر بن الخطاب سيفه وتوعّد" بالقتل "من يقول: مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم" بناءً على ما قدم عنده، وأداه إليه اجتهاده أنه لا يموت حتى يشهد على أمته بأعمالها أخذًا من قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، كما رواه ابن إسحاق عنه، ثم رجع عن ذلك كما يأتي: "وكان يقول: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى -عليه السلام، فلبث عن قومه أربعين ليلة", وهذا قاله اجتهادًا بالقياس, ثم رجع عنه "والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم".
زاد في رواية: وألسنتهم, يعني: المنافقين، وفي لفظ: لا يموت حتى يؤمر بقتال المنافقين, "فأقبل أبو بكر من السنح حين بلغه الخبر إلى بيت عائشة، فدخل فكشف عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجثا" بجيم فمثلثة برك على ركبتيه "يقبّله ويبكي، ويقول: توفي والذي نفسي بيده -صلوات الله عليك يا رسول الله, ما أطيبك حيًّا وميتًا".
"ذكره الطبري" محب الدين الحافظ "في" كتاب "الرياض" النضرة في فضائل العشرة "وقالت عائشة: أقبل أبو بكر" حال كونه راكبًا "على فرس من مسكنه" متعلق بأقبل, "بالسنح" منازل بني الحارث من الخزرج, "حتى نزل" عن الفرس, "فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس حتى دخل على عائشة، فبصر برسول الله", الذي في البخاري هنا وقبله في الجنائز: فتيمَّم، قال المصنف: أي: قصد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مسجَّى" بضم الميم وفتح السين والجيم المشددة، أي: مغطّى, هذا لفظ الجنائز، وفي الوفاة مغشَّى -بضم الميم وفتح الغين والشين