كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. رواه البخاري.
واختلف في قول أبي بكر -رضي الله عنه: "لا يجمع الله عليك موتتين".
فقيل هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال؛ لأنه لو صحَّ ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره، كـ {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} ، و {كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها.
__________
المشددة المعجمتين- أي: مغطّى "ببرد" لفظ الجنائز، وفي الوفاة: بثوب, "حبرة" بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة، وإضافة برد أو ثوب, وبالتنوين, فحبرة صفته، وهي ثوب يماني مخطّط أو أخضر, "فكشف عن وجهه" لبرد ثم أكبَّ عليه" لازم وثلاثيه كَبَّ متعدٍّ عكس المشهور من قواعد التصريف, فهو من النوادر, "فقبَّله" بين عينيه "ثم بكى" اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فأكبَّ عليه وقبَّله، ثم بكى حتى سالت دموعه على وجنتيه.
رواه الترمذي "وقال: بأبي أنت وأمي" الباء متعلقة بمحذوف، أي: أنت مفدَّى بأبي, فهو مرفوع مبتدأ وخبر, أو فعل فما بعده نصب، أي: فديتك, "لا يجمع" بالرفع، ولفظ الجنائز: يا نبي الله، وي الوفاة: والله لا يجمع "الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك" بصيغة المجهول، وللمستملي والحموي كتب الله عليك "فقدمتها".
"رواه البخاري" في الجنائز والوفاة النبوية من أفراده عن مسلم.
ورواه النسائي وابن ماجه في الجنائز, "واختلف في" معنى "قول أبي بكر -رضي الله عنه: لا يجمع الله عليك موتتين، فقيل: هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم" هو عمر "أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال" كما في البخاري في المناقب، قالت -أي: عائشة: وقال عمر: وليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم؛ لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى ثانية؛ إذ لا بُدَّ من الموت قبل القيامة "فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره، كـ {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} أربعة أو ثمانية أو عشرة أو ثلاثون أو أربعون ألفًا {حَذَرَ الْمَوْتِ} وهم قوم بني إسرائيل, وقع الطاعون ببلادهم ففروا، فقال لهم الله: موتوا، فماتوا ثم أحياهم بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حزقيل -بكسر المهملة والقاف وسكون الزاي، فعاشوا دهرًا عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبًا إلا عاد كالكفن, واستمرَّت في أسباطهم و {كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} هي بيت المقدس راكبًا على حمار ومعه سلة تين وقدح

الصفحة 135