كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية [آل عمران: 144] ، قال: فنشج الناس يبكون، رواه البخاري.
يقال: نشج الباكي، أي: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
__________
عادتهم النداء بالحالة التي يكون الشخص عليها، كقوله -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة: "قم يا نومان" ولعلي: "قم أبا تراب" وتنبيهًا على أنه لا ينبغي الحلف في ذا المقام، لا لأنه لم يعرفه لما خرج، وإنما سمع الحلف، فأبهمه؛ لأن أبا بكر يعرف صوت عمر، ولأنه قال: اجلس يا عمر كما يأتي قريبًا "فلمَّا تكلم أبو بكر جلس عمر" بعد إبايته -كما في حديث ابن عباس الآتي، فقال: اجلس يا عمر، فأبى أن يجلس, "فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا" بالفتح والتخفيف- تنبهًا على ما بعده, كأنه قال: تنبهوا, "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أي: ستموت ويموتون فلا شماتة بالموت، فالميت بالتثقيل من لم يمت وسيموت، وأما بالتخفيف فمن حلَّ به الموت, قال الخليل: أنشد أبو عمرو:
أيا سائلي تفسير ميت وميت ... فدونك قد فسرت إن كنت تعقل
فمن كان ذا روح فذلك ميت ... وما الميت إلّا من إلى القبر يحمل
"وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] ، اختصار من المصنف، وإلّا فهي متلوة كلها عند البخاري، فقال: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} رجعتم إلى الكفر، والجملة الأخيرة محلّ الاستفهام الإنكاري، أي: ما كان معبودًا فترجعوا، نزلت لما أشيع يوم أحد أنه -صلى الله عليه وسلم- قُتِلَ، وقال المنافقون: إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم، {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} وإنما يضر نفسه، {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} نعمة بالثبات، "قال فنشج" بفتح النون والشين المعجمة وبالجيم "الناس يبكون لتحققهم موته, ولم يبين المصنف ولا الحافظ فاعل قال: فيحتمل أنه عائشة، وذكر باعتبار الشخص, أو إنها قالته حاكية له عن عمر ويؤيده قولها أولًا: وقال عمر: والله...... إلخ.
هكذا أفاده شيخنا أبو عبد الله الحافظ البابلي.
"رواه البخاري" في مناقب الصديق بهذا اللفظ: "يقال نشج" بفتحات "الباكي، أي: غُصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب" أي: شدة البكاء.