كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

بتمامه.
واستنشى الريح: شمها، أي: شمَّ ريح الموت.
وعند أحمد: عن عائشة قالت: سجَّيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوبًا، فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما, وجذبت الحجاب، فنظر عمر إليه فقال: واغشياه، ثم قاما، فقال المغيرة: يا عمر، مات، قال: كذبت، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يموت حتى يفني الله المنافقين. ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث ابن عباس عند البخاري: إن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا
__________
وأخرجه يونس بن بكير في زيادات المغازي "واستنشى الريح: شمها، أي: شمَّ ريح الموت" فعرف أنه مات -عليه الصلاة والسلام, "وعند أحمد عن عائشة، قالت: سجيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوبًا" نصب بنزع الخافض, "فجاء عمر" بن الخطاب "والمغيرة بن شعبة, فاستأذنا" في الدخول, "فأذنت لهما, وجذبت" سحبت "الحجاب، فنظر عمر إليه، فقال" متعجبًا: "واغشياه", ظنَّ أنه أغمي عليه إغماء شديدًا بدون موت, "ثم قاما", فلما دنوا من الباب, "فقال المغيرة: يا عمر مات" أخبره بذلك تحسرًا وتأسفًا لا أنه استفهام بحذف الأداة؛ لقوله: "قال" عمر: "كذبت"؛ إذ لو كان استفهامًا لم يسغ له تكذيبه, "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يموت حتى يفني الله المنافقين".
قال المصنف: هذا قاله عمر بناءً على ظنه؛ حيث أدَّاه اجتهاده إليه، وفي سيرة ابن إسحاق عن ابن عباس أن عمر قال له: إن الحاصل له على هذه المقالة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ} [البقرة: 143] ، فظنَّ أنه -صلى الله عليه وسلم- يبقى في أمته حتى يشهد عليها, "ثم جاء أبو بكر" من النسخ, "فرفعت الحجاب، فنظر إليه فقال: إنا لله" ملكًا وعبيدًا يفعل بنا ما يشاء, "وإنا إليه راجعون" في الآخرة فيجازينا, "مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
وروى ابن إسحاق وعبد الرزاق والطبراني أن العباس قال لعمر: هل عند أحد منكم عهد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، قال: لا. قال: فإنه قد مات، ولم يمت حتى حارب وسالم، ونكح وطلق, وترككم على محجَّة واضحة, وهذا من موافقات العباس للصديق.
"وفي حديث ابن عباس عند البخاري" هنا وقبله في الجنائز: "إنَّ أبا بكر خرج" من عند النبي -صلى الله عليه وسلم "وعمر بن الخطاب يكلم الناس" يقول لهم: لم يمت -صلى الله عليه وسلم, "فقال أبو بكر" له:

الصفحة 139