كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
قال القرطبي أبو عبد الله المفسّر: وفي هذا أدلّ دليل على شجاعة الصديق، فإن الشجاعة حدّها ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي -صلى الله عليه وسلم. فظهر عنده شجاعته وعلمه. قال الناس: لم يمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، واضطرب الأمر, فكشفه الصديق بهذه الآية، فرجع عمر عن مقالته التي قالها.
كما ذكره الوائلي أبو نصر عبد الله في كتاب "الإنابة", عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر -رضي الله عنه- في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم, واستوى على منبره -صلى الله عليه وسلم، تشهَّد ثم قال: أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة, وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب الله، ولا في عهد عهده إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم, ولكني كنت أرجو أن
__________
النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات.
"قال القرطبي -أبو عبد الله" محمد "المفسر" أي: مؤلف التفسير, وهو تلميذ القرطبي صاحب المفهم على مسلم, "وفي هذا أدل دليل على شجاعة الصديق، فإن الشجاعة حدها ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي -صلى الله عليه وسلم, فظهر عنده شجاعته وعلمه, قال الناس" أي: أكثرهم: "لم يمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم, واضطرب الأمر، فكشفه الصديق بهذه الآية" وفي نسخة: فكشف، أي: عن الناس اضطرابهم، ففيه وة جأشه وكثرة علمه، وقد وافقه على ذلك العبَّاس -كما مَرَّ- والمغيرة، كما رواه ابن سعد وابن أم مكتوم, كما في مغازي أبي الأسود عن عروة، قال: إن ابن أم مكتوم كان يتلو {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} والناس لا يلتفتون إليه، وكان أكثر الصحابة على خلاف ذلك، فيؤخذ منه أن الأقل عددًا في الاجتهاد قد يصيب ويخطيء الأكثر، فلا يتعيّن الترجيح بالأكثر، ولا سيما إن ظهر أنّ بعضهم قلد بعضًا.
قاله الحافظ: "فرجع عمر عن مقالته التي قالها، كما ذكره الوائلي أبو نصر عبد الله في كتاب الإنابة عن أنس بن مالك, أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر" على الخلافة "في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم, واستوى على منبره: تشهّد عمر".
أخرجه ابن إسحاق في السيرة بنحوه، قال: حدثني الزهري قال: حدثني أنس قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلّم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل, "ثم قال" عمر: "أما بعد, فإني قلت لكم أمس مقالة, وأنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب الله" صريحًا، وإنما كنت استنبطها من قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فظننت أنه يبقى في أمته حتى يشهد على آخر أعمالها -كما عند ابن إسحاق، عنه: "ولا في عهد عهده إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم