كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

هذا هو الذي قد عرف به موته، وأخرجه ابن سعد عن الواقدي أيضًا.
ولما توفي -عليه الصلاة والسلام- قالت فاطمة: يا أبتاه، أجاب ربًا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه مَنْ إلى جبريل ننعاه. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله: وقد قيل: الصواب: إلى جبريل ننعاه. جزم بذلك سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان، قال: والأوّل متوجّه فلا معنى لتغليط الرواة بالظن.
وزاد الطبراني: يا أبتاه, مِنْ ربه ما أدناه.
__________
كتفيه، فقالت: قد توفي، قد رفع الخاتم من بين كتفيه " وأراد أنَّ النبوة والرسالة باقيتان بعد الموت حقيقة كما يبقى وصف الإيمان للمؤمن بعد موته, فلم رفع ما هو علامة، وأجيب بأنه لما وضع لحكمة وهي تمام الحفظ والعصمة، وقد تَمَّ الأمر بالموت, فلم يبق لبقائه في الجسد فائدة, "فكان هذا هو الذي عرف به موته" أي: إنه من جملة ما عرف به، وإلّا قد عرفه الصديق بشمّ ريح الموت من فمه، وبغير ذلك كما مَرَّ، أو المراد الذي عرف به للنساء.
"وأخرجه ابن سعد" محمد "عن" شيخه "الواقدي أيضًا" قال: حدَّثنا القاسم بن إسحاق عن أمه عن ابنها القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن أم معاوية, أنه لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره. والواقدي متروك، وذكر مغلطاي في الزهد: إن الحاكم روى في تاريخه عن عائشة أنها لمست الخاتم حين توفي -صلى الله عليه وسلم- فوجدته قد رفع, قال الشامي: ولا أخًا له صحيحًا, "ولما توفي -عليه الصلاة والسلام- قالت فاطمة: يا أبتاه" أصله يا أبي، والفوقية بدل من التحتية، والألف للندبة والهاء للسكت, "أجاب ربًّا دعاه" إلى حضرته القدسية, "يا أبتاه, مَنْ جنة الفردوس" بفتح ميم من مبتدأ والخبر قوله: "مأواه" منزله، وحكى الطيبي عن نسخة من المصابيح: كسر الميم على نها حرف جر، قال: والأولى أَوْلَى. انتهى.
وعلى الثاني: فمن للتبعيض، أي: بعض جنة الفردوس, خبر لقوله: مأواه, "يا أبتاه مَنْ إلى جبريل ننعاه -بفتح النون الأولى وسكون الثانية- وإلى جاره.
"رواه البخاري" عن أنس من أفراده, "قال الحافظ ابن حجر: قد قيل: الصواب إلي" بشد ياء المتكلم "جبريل" بالرفع فاعل, "نعاه" أخبر بموته, جزم بذلك سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان، قال" الحافظ: "والأول متوجّه" أي: له وجه, هو أنه لا يلزم أن الإخبار بالموت إنما يكون لغير العالم به, بلقد يذكر للعالم به تأسفًا على ما فقده من خصاله المحمودة, وتذكيرًا لما بينهما من المحبة والوصلة, "فلا معنى لتغليط الرواة بالظنّ، وزاد الطبراني" والإسماعيلي: "يا أبتاه, مِنْ ربه ما أدناه" ما أقربه.

الصفحة 145