كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

ومن تأمَّل الحالة المذكورة، عرف عظيم الهول فيها، وذلك أنَّ النار تحفّ بأرض الموقف، وتدنو الشمس من الرءوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض، وماذا يرونه من العرق, مع أن كل أحد لا يجد إلا قدر موضع قدميه، فكيف يكون حال هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه.
إن هذا لما يبهر العقول، ويدل على عظيم القدرة، ويقتضي بالإيمان بأمور الآخرة، وأن ليس للعقل فيه مجال، ولا يعترض على ذلك بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يؤخذ بالقبول.
فتأمل -رحمك الله- شدة هذا الازدحام والانضمام والاتساق والالتصاق، واجتماع الإنس والجان، ومن يجمع معهم من سائر أصناف الحيوان، وانضغاطهم وتدافعهم واختلاطهم، وقرب الشمس منهم، وما يزاد في حرها، ويضاعف في وهجها، ولا ظلّ إلا ظل عرش ربك بما قدمته، مع ما انضاف إلى ذلك من حر البأس، لتزاحم الناس واحتراق القلوب، لما غشيها من الكروب.
__________
كله في الموقف، ومن تأمَّل الحالة المذكورة عرف عظم الهول" المخافة من الأمر، لا يدري ما هجم عليه منه كما في القاموس, وفي ذلك الشدة الزائدة "فيها، وذلك أنّ الناس تحف" تحيط "بأرض الموقف, وتدنو الشمس من الرءوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض, وماذا يرونه من العرق, مع أنّ كل أحد لا يجد إلا قدر موضع قدميه، فكيف يكون حال هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه, إن هذا لما" أي: من الأشياء التي، وفي نسخ لما بفتح اللام وخفة الميم, "يبهر" بفتح الهاء- يغلب "العقول, ويدل على عظيم القدرة ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة، وأن ليس للعقل فيه مجال" مدخل, "ولا يعترض على ذلك بعقل ولا قياس" لعدم الجامع, "ولا عادة، وإنما يؤخذ بالقبول، فتأمّل رحمك الله شدة هذا الازدحام" الضيق والانضمام" الاجتماع, "والاتساق" الانتظام, "والالتصاق" بالصاد وبالزاي وبالسين لغات معناها الاجتماع بالجنب, والألفاظ الأربعة متغايرة بالاعتبار أو متساوية, "واجتماع الإنس والجانّ ومن يجمع معهم من سائر أصناف الحيوان وانضغاطهم" بضاد وغير معجمتين، أي: انعصارهم وتدافعهم واختلاطهم, وقرب الشمس منهم, وما يزاد في حرها "ويضاعف" يزاد "في وهجها" توقدها وحرها, "ولا ظل إلا ظل عرش ربك بما قدمته" من عمل تجازى عليه بالظل, "مع ما انضاف" انضمَّ "إلى ذلك من حر البأس" بموحدة الشدة, "لتزاحم الناس واحتراق القلوب لما غشيها من الكروب, ولا ريب أن هذا موجب لحصول العطش في ذلك اليوم وكثرة

الصفحة 301