كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عند الشيخين: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن, ورائحته أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء,
__________
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "حوضي من عدن إلى عمّان, ماؤه أشد بياضًا من اللبن, وأحلى من العسل, وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، أول الناس ورودًا عليه فقراء المهاجرين" , فقال عمر بن الخطاب: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم الشعث رءوسًا, الدنس ثيابًا، الذين لا ينكحون المتنعمات, ولا تفتح لهم السدد" , يعني: أبواب السلاطين.
ووقع في حديث النواس بن سمعان عند ابن ابي الدنيا: أوّل من يرد عليه من يسقى كل عطشان ولا خلف، فهذا بتقدير من أي، من أوّل من يرد عليه؟ من كان في الدنيا يسقي كل عطشان، أو المراد: الأول بعد فقراء المهاجرين.
"وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند الشيخين" قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر, ماؤه أبيض من اللبن" قال المازري: مقتضى كلام النحاة أن يقال: أشد بياضًا ولا يقال أبيض، ومنهم من أجازه في الشعر، ومنهم من أجازه بقلة، ويشهد له هذا الحديث وغيره، قال الحافظ: ويحتمل أه من تصرف الرواة، ففي مسلم عن أبي ذر، وأحمد عن ابن مسعود، وابن أبي عاصم عن أبي أمامة، كلهم بلفظ: "أشد بياضًا من اللبن" انتهى.
وقال المصنف: فيه حجة للكوفيين على إجازة أفعل التفضيل من اللون، وقال البصريون: لا يصاغ منه ولا من الثلاثي، فقيل: لأنَّ اللون الأصل أن أفعاله زائدة على ثلاثة، وقيل: لأنه خلق ثابت في العادة، وإنما يتعجب مما يقبل الزيادة والنقصان، فجرت لذلك مجرى الأجسام الثابتة على حال واحدة، قالوا: وإنما يتوصّل إلى التفضيل, وفيما زاد على الثلاثي بأفعل مصوغًا من فعل, دالّ على مطلق الرجحان والزيادة نحو: أكبر وأزيد وأرجح وأشد، قال الجوهري: تقول: هذا أشد بياضًا من كذا، ولا تقل أبيض منه, وأهل الكوفة يقولونه ويحتجون بقول الراجز:
جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني أباض
قال المبرد: ليس البيت الشاذ بحجة على الأصل المجمع عليه، وأما قول طرفة:
إذا الرجال شتوا واشتدّ أكلهم ... فأنت أبيضهم سربال طباخ
فيحتمل أن لا يكون بمعنى أفعل الذي تصحبه من للمفاضلة، وإنما هو بمنزلة قولك: هو أحسنهم وجهًا وأكرمهم أبًا, تريد حسنهم وجهًا وكريمهم أبًا، فكأنه قال: فأنت مبيضهم سربالًا، فلمَّا أضافه انتصب ما بعده على التمييز, وجعل ابن مالك قوله: أبيض من الشاذ، وقال النووي: هو لغة قليلة الاستعمال انتهى.
قال الأبي: ليس في الحديث ولا الأبيات صيغة تعجب, وإنما فيها صيغة أفعل, لكنهما

الصفحة 303