كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
وهذه المسافات كلها متقاربة، وظنَّ بعضهم أنه وقع اضطراب في ذلك، وليس كذلك.
وأجاب النووي عن ذلك، بأنَّه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة، فالأكثر ثابت بالحديث الصحيح فلا معارضة.
وحاصله يشير إلى أنه أخيرًا أولًا بالمسافة اليسيرة, ثم أعلم بالمسافة الطويلة, فأخبر بما كان الله تفضل عليه باتساعه شيئًا بعد شيء, فيكون الاعتماد على أطوالها مسافة.
فإن قلت: هل لكل نبي من الأنبياء غير نبينا -صلى الله عليه وسلم- حوض هناك يقوم عليه
__________
والكرك، ولا يصحّ التقدير بالثلاث لمخالفة الروايات، لا سيما وقد قال الحافظ الضياء المقدسي: إن في سياق لفظها غلطًا لاختصار وقع من بعض الرواة، ثم ساقه بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعًا، فقال فيه: "عرضه مثل ما بينكم وبين جربا وأذرح".
قال الضياء: فظهر بهذا أنه وقع في حديث ابن عمر حذف تقديره: كما بين مقامي وبين جربا وأذرح, فسقط مقامي وبين.
قال العلائي: ثبت المقدر المحذوف عند الدارقطني وغيره بلفظ: ما بين المدينة وجربا وأذرح "وهذه المسافات كلها متقاربة" ترجع إلى شهر أو تزيد عليه قليلًا أو تنقص قليلًا, "وظن بعضهم أنه وقع اضطراب في ذلك, وليس كذلك"؛ إذ ليس ذلك في حديث واحد حتى يكون اضطرابًا، وإنما هو في أحاديث مختلفة عن غير واحد، من الصحابة سمعوه في مواطن، فروى كل واحد منهم ما سمع, واختلاف عبارته -صلى الله عليه وسلم- إنما هو بحسب ما سنح له من العبارة تقريبًا للإفهام، فذكر ما بين كل بلدين من البعد لا على التقدير المحقق لما بينهما بل إعلام وكناية عن السعة، قاله عياض: وهو جواب حسن.
"وأجاب النووي عن ذلك" بجواب آخر, وكلاهما حسن "بأنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة, فالأكثر ثابت بالحديث الصحيح. فلا معارضة" لأنَّ الأقل داخل في الأكثر, "وحاصله يشير إلى أنه أخبر " بالبناء والمفعول, "أولًا بالمسافة اليسيرة، ثم أعلم" بالبناء للمفعول أيضًا, أي: أخبره وأعلمه الله "بالمسافة الطويلة، فأخبر" صلى الله عليه وسلم "بما كان تفضّل الله عليه باتساعه شيئًا بعد شيء، فيكون الاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة".
قال المصنف: ومنهم من حمله على السير المسرع والبطيء، لكن في حمله على أقلها وهو الثلاث نظر؛ إذ هو عسر جدًّا، لا سيما مع ما سبق والله الموفق.
"فإن قلت: هل لكل نبي من الأنبياء غير نبينا -صلى الله عليه وسلم- حوض هناك" في الموقف "يقوم