كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
القيام، لا موضع القعود.
الرابع: إذا قيل: السلطان بعث فلانا، فهم منه أنه أرسله إلى قومٍ لإصلاح مهماتهم, ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه، فثبت أن هذا القول ساقط، لا يميل إليه إلا قليل العقل عديم الدين، انتهى.
وتعقّب القول الثاني، بأنه تعالى يجلس على العرش كما أخبر -جل وعلا- عن نفسه المقدَّسة بلا كيف، وليس إقعاد محمد -صلى الله عليه وسلم- على العرش موجبًا له صفة الربوبية، أو مخرجًا عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله, وتشريف له على خلقه، وأما قوله: "معه" فهو بمنزلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} وقوله: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} فكل هذا ونحوه عائد على الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان.
وقال شيخ الإسلام أبو الفضل السعقلاني: قول مجاهد "يجلسه معه على
__________
لا موضع القعود" وأجيب بأنه يصح على أنَّ المقام مصدر ميمي لا اسم مكان.
"والرابع: إذا قيل: السلطان بعث فلانًا, فهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم، ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه", وهذا مردود بأن هذا عادة يجوز تخلفها, على أن أحوال الآخرة لا تقاس على أحوال الدنيا, "فثبت أن هذا القول ساقط لا يميل إليه إلّا قليل" أي: ناقص العقل عديم الدِّين, فاقده أصلًا, وهذا مجازفة في الكلام لا تليق بطالب فضلًا عن عالم, بعد ثبوت القول عن تابعي جليل، ووجد مثله عن صحابيين ابن عباس وابن مسعود كما يأتي.
"انتهى" كلام الواحدي" وتعقّب القول" أي: الوجه الثاني من الأوجه الأربعة التي رَدّ بها القول الرابع بأنه تعالى يلس على العرش, كما أخبر -جل وعلا- عن نفسه المقدَّسة" بقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] بلا كيف, وليس إقعاد محمد -صلى الله عليه وسلم- على العرش موجبًا له صفة الربوبية, بل كإجلاس الملك على سريره من يعظمه, ولا يوجب له صفة الملك أو مخرجًا له عن صفة العبودية, بل هو رفع لمحله, وتشريف له على خلقه، وأمَّا قوله معه فهو بمنزلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} أي: الملائكة, وقوله: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11] .
فالعندية فيهما للتشريف، فكذلك المعية فيما نحن فيه, "فكل هذا ونحوه عائد على الرتبة والمنزلة والحظوة -بضم الحاء وكسرها, والدرجة الرفيعة لا إلى المكان" حتى يلزم منه التناهي وأنه محدود.
"وقال شيخ الإسلام أبو الفضل العسقلاني: قول مجاهد: يجلسه معه على العرش ليس