كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

العامة، فإنَّ إعطائه لواء الحمد، وثناءه على ربه, وكلامه بين يديه, وجلوسه على كرسيه, كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق.
وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك, وقد أنكر بعض المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين, وتمسَّكوا بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 8] .
وأجاب أهل السنة بأنَّ هذه الآيات في الكفّار، قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلًا، ووجوبها سمعًا؛ لصريح قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109] وقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وكقوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} المفسّر بها عند الأكثرين، كما قدمنا.
__________
المذكورفي المقام المحمود, "كلها إلى لشفاعة العظمى العامّة" في فصل القضاء, "فإن إعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه, وكلامه بين يديه, وجلوسه على كرسيه" أو عرشه, "كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق".
وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك" فلا تراد استقلالًا, "وقد أنكر بعض المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين, فأمَّا الشفاعة في فصل القضاء فلم يكذب بها أحد من المعتزلة ولا غيرهم، قاله الفاكهاني, وتمسكوا بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] من الملائكة والأنبياء والصالحين, والمعنى: لا شفاعة لهم, وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ} الكافرين {مِنْ حَمِيمٍ} محب, {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} الآية" لا مفهوم للوصف؛ إذ لا شفيع لهم أصلًا، فما لنا من شافعين, أوله مفهوم بناء على زعمهم أن لهم شفعاء, أي: لو شفعوا فرضًا لم يقبلوا.
وأجاب أهل السنة بأن هذه الآيات في الكفار"، فلا حجة فيها, "قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلًا"؛ إذ ليست بمحال فيها, "ووجوبها" ثبوتها "سمعًا لصريح قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} أحدًا {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} أن يشفع له {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} بأن يقول: لا إله إله الله ووجه صراحته أن الاستثناء من النفي إثبات, وقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ} أي: الملائكة, إلا لمن ارتضى الله سبحانه أن يشفعوا له, وكقوله: عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا المفسَّر بها" أي: بالشفاعة العظمى عند

الصفحة 323