كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
وعن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون, فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغتم، ألا تنظرون إلى مَنْ يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم, أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه،
__________
"وعن أبي زرعة" بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، قيل: اسمه هرم، وقيل: عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: جرير, "عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس" آدم وجميع ولده، أي: أنا الفائق المفزوع إليه في الشدائد, وخص "يوم القيامة" لارتفاع دعوى السؤدد فيها لغيره، كقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} خص السؤال به لأنه يوم تنقطع فيه الدعاوي، ولأنه يستلزم سيادته ف الدنيا بطريق الأولوية, ونهيه عن التفضيل على طريق التواضع, "هل تدرون ممن ذلك".
وفي رواية: ذلك بألف بدل اللام "يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد" أرض واسعة مستوية, "فيبصرهم الناظر" أي: يحيط بهم بصر الناظر؛ بحيث لا يخفى عليه منهم شيء؛ لاستواء الأرض وعدم الحجاب.
وفي رواية: وينفذهم البصر -بتحتية مفتوحة وذال معجمة- على الأصح، أي: تحيط بهم أبصار الناظرين من الخلق لاستواء الصعيد، وهذا أوجه من قول أبي عبيد: بصر الرحمن؛ لأن الله أحاط بالناس أولًا وآخرًا في الصعيد المستوي وغيره, "ويسمعهم الداعي" بضم الياء من الإسماع، أي: إذا دعاهم سمعوه, "وتدنو الشمس" من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين, ويزاد في حرها عشر سنين كما مَرَّ, "فيبلغ الناس" بالنصب، أي: يصل إليهم, "من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون" فاعل يبلغ, "فيقول الناس: "ألا" بفتح الهمزة وخفة اللام "ترون إلى ما أنتم فيه" من الغم والكرب, "إلى ما بلغكم" بدل من قوله: إلى ما أنتم فيه.
وفي رواية مسلم: "ألا ترون ما قد بلغكم"، أي: وصل إليكم، ويقع في أكثر نسخ المواهب: بلغتم بمثناة بدل الكاف, ولا وجود لها في الصحيحين, ولا في أحدهما, "ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم" حتى يريحكم من مكانكم هذا, "فيقول بعض الناس" هم رؤساء الأمم كما في الفتح، وقال ابن برجان: رؤساء أتباع الرسل لبعض: "أبوكم آدم" وفي رواية: ائتوا آدم، وللبخاري: "عليكم بآدم" , "فيأتونه فيقولون: يا آدم, أنت أبو البشر" وشأن الأب الحنان والشفقة, "خلقك الله بيده" بقدرته بغير واسطة, "ونفخ فيك من روحه" بأن أمر الروح أن