كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا
__________
تدخل في جسدك وتجري مجرى نفسك.
قال الكرماني: الإضافة إلى الله لتعظيم المضاف وتشريفه, "وأمر الملائكة فسجدوا لك" كلهم, "وأسكنك الجنة" , وفي رواية للبخاري: "وأسكنك جنته, وعلمك أسماء كل شيء" وذكروا هذا إشارة إلى أن من حوى هذه الفضائل أهلٌ للشفاعة، ولذا قدموها على قولهم: "ألا" بأداة العرض, "تشفع لنا إلى ربك, ألا ترى ما نحن فيه" من الغمِّ والكرب, "وما بلغنا" بفتح الغين على الصحيح المعروف، ويدل له قوله قبل: "ألا ترون إلى ما قد بلغكم"، ولو كان بإسكان الغين لقال بلغتم، قاله النووي.
وفي رواية للشيخين: "ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا" , "فقال: إن ربي غضب" بكسر الضاد "اليوم غضبًا لم يغضب" بفتح الضاد فيهما "قبله مثله ولا يغضب".
كذا رواها الحموي والمستملي في البخاري بلفظ لا، ورواه غيرهما فيه، وكذا رواه مسلم بلفظ: "ولن يغضب" بلن "بعده مثله" وكل من لن، ولا يفيد النفي في المستقبل، والمراد من الغضب كما قال الكرماني لازمه, وهو إرادة إيصال العذاب، وقال النووي: المراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما شاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها, "وأنه" بالواو ودونها روايتان "نهاني عن الشجرة" أي: عن الأكل منها, فعصيته وأكلت منها, "نفسي نفسي نفسي" ذكرها ثلاثًا.
وفي رواية للشيخين أيضًا: مرتين، أي: نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها؛ إذ المبتدأ والخبر إذا اتحدا فالمراد بعض لوازمه؛ إذ قوله: نفسي مبتدأ والخبر محذوف، وفي حديث أنس عند سعيد بن منصور: "إني أخطأت وأنا في الفردوس، فإن يغفر لي اليوم حسبي".
وكذا عنده في بقية الأنبياء بعده، ومن البديهي أن المصنف لم يذكر ذلك؛ لأنه إنما ساق حديث أبي هريرة في الصحيحين, وليس فيه ذلك، لا للإشعار بأنه ليس ذنبًا يستغفر منه، وإنما قالوه تعظيمًا لله, وأنه لا ينبغي أن يوجد من مثلهم خلاف الأولى, فضلًا عن الذنب، فإن هذا وإن كان ظاهرًا في نفسه لكن لو كان كذلك لترك المصنف الحديث بالمرة؛ إذ ليس بأشد من قوله: "نهاني فعصيته".
وفي رواية أنس في الصحيح فيقول: "لست لها"، وفي لفظ: "لست هناكم"، وفي حديث حذيفة: "لست بصاحب ذاك"، فالمعنى: إن هذا المقام ليس لي بل لغيري, "اذهبوا إلى غيري" زاد