كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
ترى إلى ما نحن فيه، اشفع لنا إلى ربك، فيقول عيسى -عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله, وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، ألا ترى إلى ما نحن فيه، اشفع لنا إلى ربك، فأنطلق فآتي تحت
__________
في المهد" مصدر سُمِّيَ به ما يمهد للصبي من مضجعه, "ألا ترى إلى ما نحن فيه" من الكرب, "اشفع لنا إلى ربك" لفظ الشيخين: "اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه".
زاد مسلم: "ألا ترى ما قد بلغنا" , "فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله, ولم يذكر ذنبًا" وفي حديث ابن عباس: إني اتخذت إلها من دون الله، وفي حديث أنس عند سعيد ابن منصور نحوه.
وزاد: وأن يغفر لي اليوم، حسبي, "نفسي نفسي نفسي" ثلاثًا، ولمسلم مرتين في الكل, "اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى محمد" , زاد في رواية أنس عند الشيخين: فيقول: "لست هناكم، ولكن ائتوا محمدًا عبدًا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر" , "فيأتون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: يا محمد, أنت رسول الله وخاتم الأنبياء, وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر" يعني: إنه غير مؤاخذ بذنب لو وقع.
قال الحافظ: يستفاد من قول عيسى في نبينا هذا، ومن قول موسى: إني قتلت نفسًا وأن يغفر لي اليوم، حسبي, مع أن الله قد غفر له بنص القرآن, التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع منه شيء أصلًا، فإن موسى مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك, ورأى في نفسه تقصير عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا -صلى الله عليه وسلم- في ذلك كله، ومن ثَمَّ احتجَّ عيسى بأنه صاحب الشفاعة؛ لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، بمعنى: إن الله أخبر أن لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه، قال: وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد.
وقال القاضي عياض: يحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد -صلى الله عليه وسلم- معينًا, وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إليه إظهارًا لشرفه في ذلك المقام العظيم، وإنما خص الخمسة بالمجيء إليهم دون باقي الأنبياء؛ لأنهم مشاهير الرسل وأصحاب شرائع عمل بها مددًا طويلة مع أن آدم والد الجميع, ونوح الأب الثاني, وإبراهيم مجمع على الثناء عليه عند جميع أهل الأديان, وهو أبو الأنبياء, بعده موسى أكثر الأنبياء أتباعًا بعد المصطفى وعيسى؛ لأنه ليس بينه وبينه نبي، ولأنه من أمته -صلى الله عليه وسلم, ولم يلهموا المجيء إليه من أول وهلة لإظهار فضله