كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

العرش, فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه, واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما
__________
وشرفه.
قال الحافظ: ولا شكَّ أن في السائلين يومئذ من سمع هذا الحديث في الدنيا, وعرف أن ذلك خاص به, ومع ذلك فلا يستحضره؛ إذ ذاك أحد منهم, وكأنَّ الله أنساهم ذلك للحكمة المذكورة, "ألا ترى إلى ما نحن فيه, اشفع لنا إلى ربك" الذي في الصحيحين تقديم هذه الجملة على التي قبلها، وزاد مسلم: "ألا ترى إلى ما قد بلغنا" , "فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي".
وفي حديث أنس: "فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين حتى استأذن على ربي، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا, فيدعني ما شاء الله أن يدعني" والمستأذن له جبريل، ففي رواية أبي بكر الصديق عند أبي عوانة: "فيأتي جبريل ربه فيقول: ائذن له وبشره بالجنة، فينطلق به جبريل فيخر ساجدًا قدر جمعة"، وسئل الجلال البلقيني عن حكم سجوده -صلى الله عليه وسلم- من حيث الوضوء، فأجاب بأنه باقٍ على طهارة غسل الميت؛ لأنه حي لا يموت في قبره, ولا ناقض لطهارته، ويحتمل أن يجاب بأن الآخرة ليست دار تكليف، فلا يتوقّف السجود على وضوء. قاله في البدور، ويحتمل أنه توضأ من حوضه, "ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي".
وفي بعض طرق الحديث عند البخاري: "فيلهمني الله محامد لا أقدر عليها الآن, فأحمده بتلك المحامد"، قال المصنّف وغيره: وقد ورد ما لعله يفسر به بعض تلك المحامد لا جميعها، ففي النسائي وغيره من حديث حذيفة رفعة: "يجمع الله الناس في صعيد واحد، فيقال: يا محمد، فأقول: لبيك وسعديك....." الحديث السابق قريبًا " ثم يقال: "يا محمد, ارفع رأسك, سل تعطه" بسكون الهاء للسكت, "واشفع تشفع" بشد الفاء المفتوحة، أي: تقبل شفاعتك, "فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب, أمتي يا رب" مرتين، وهذه الشفاعة بعد العامَّة لجميع الأمم في فصل القضاء، ففي السياق حذف كما يأتي إيضاحه، وفي مسند البزار: "فأقول: يا رب, عجّل على الخلق الحساب" , "فيقال: يا محمد, أدخل" بكسر الخاء أمر من الإدخال.
وفي رواية مسلم: "أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة" , وهم سبعون ألفًا, أوَّل من يدخلها, "وهم" أيضًا "شركاء الناس فيما سوى ذلك"

الصفحة 330