كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

إنما كنت خليلًا من وراء وراء" بفتح الهمزة, "فيهما" بلا تنوين، ويجوز البناء فيها على الضمِّ للقطع عن الإضافة نحو: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} واختاره أبو البقاء، قال الأخفش: يقال: لقيته من وراء وراء -بالضم، وقال:
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلّا من وراء وراء
ويجوز فيهما النصب والتنوين جوازًا جيدًا، قاله أبو عبد الله الأبي.
ومعناه: لم أكن في التقريب والإدلال بمنزلة الحبيب، وقيل: مراده: إنَّ الفضل الذي أعطيته كان بسفارة جبريل، ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا واسطة، وكرر "وراء" إشارة إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة، فكأنه قال: أنا من وراء موسى، الذي هو من وراء محمد، وسبق مزيد
__________
آدم, لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك, إنما كنت خليلًا من وراء وراء" بفتح الهمزة فيهما بلا تنوين على المشهور, لتضمنهما معنى الحرف، فالتقدير من وراء، من وراء, فركِّبا تركيب خمسة عشر, وأكدا كشذر مذر وبين بين, قاله القرطبي. "يجوز البناء على الضم" فيهما "للقطع عن الإضافة, نحو" قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ، واختاره أبو البقاء" قائلًا: لأنَّ تقديره من وراء, أو من وراء شيء آخر, "قال الأخفش: يقال: لقيته من وراء بالضم" فيهما, "وقال" الشاعر:
إذا أنا لم أؤمن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلّا من وراء وراء
"ويجوز فيهما النصب والتنوين جوازًا جيدًا، قاله أبو عبد الله الأبي" في شرح مسلم، قال القرطبي في المفهم: ووجدت في أصل شيخنا أيوب الفهري، وكان في اعتنائه بهذا الكتاب -أي: مسلم- الغاية من وراء وراء بتكرير من وفتح الهمزتين, وليس بمعنى بنائه في الأول لظهور من المضمرة في الأول، وإنما وجهه أن يكون وراء قطعت عن الإضافة إلى معين، فصارت كأنَّها اسم علم وهي مؤنثة، فاجتمع فيها التعريف والتأنيث فمنعت الصرف، قال: ووجدت بخط معتبر، قال الفراء: تقول العرب: فلان يكلمني من وراء وراء -بالنصب على الظرف, "ومعناه" كما قال النووي: "لم أكن في التقريب والإدلال بمنزلة الحبيب، وقيل: مراده" كما نقله النووي عن صاحب التحرير، قال: هذه كلمة تقال على وجه التواضع، وكأنه أشار إلى "أن الفضل الذي أعطيته كان بسفارة" بكسر السين، أي: بواسطة "جبريل، ولكن ائتوا موسى الذي كلَّمه الله بلا واسطة" إشارةً إلى قوله في الحديث: "اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليمًا" , "وكرَّر وراء إشارة إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حصلت له الرؤية لله سبحانه والسماع " لكلامه تعالى "بلا واسطة", فكأنه قال: أنا من وراء موسى الذي هو من وراء محمد، وسبق مزيد لذلك في الخصائص"

الصفحة 333