كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

لذلك في الخصائص.
وأمَّا ما ذكره من الكذبات الثلاث، فقال البيضاوي: الحق أنها إنما كانت من معارض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استقصارًا لنفسه عن الشفاعة؛ لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة، كان أعظم خوفًا.
وأما قوله في عيسى: "إنه لم يذكر ذنبًا" فوقع في حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي: "إني اتخذت إلهًَا من دون الله".
وفي حديث النضر بن أنس عن أبيه قال: حدثني نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني لقائم
__________
في أوائلها, "وأمَّا ما ذكره من الكذبات الثلاث، فقال البيضاوي: الحق إنها إنما كانت من معاريض الكلام" التي قال -صلى الله عليه وسلم: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب".
رواه البخاري في الأدب المفرد, وابن عدي وابن السني والبيهقي, جمع معراض كمفتاح, من التعريض وهو خلاف التصريح، وعرَّفه المتقدمون بأنه ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم, "لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق": خاف منها استقصارًا لنفسه عن الشفاعة؛ لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفًا" وقال في المفهم: الكلمات الثلاث ليست بكذب حقيقة, ولا في شيء منها ما يوجب عتبًا، لكن هول المقام حمله على الخوف منها، فأمَّا الأولى، فقال المفسرون: كانت في حال الصغر والطفولية، فلما اتضح له الأمر قال: إني وجهت وجهي. الآية, وهذا لا يليق، فالأنبياء معصومون، ولم يحفظ عن نبي أنه تلبَّث بخبائث قومه، ولو كان لغيرهم به أممهم، وقيل: هو استفهام إنكار, والهمزة محذوفة، وقيل: قاله على سبيل الاحتجاج على قومه, والتنبيه لهم على أنَّ ما يتغير لا يصلح للربوبية، وأما الثانية: فإنما قالها توطئة منه للاستدلال على أنها ليست آلة, وقطعًا لدعواهم أنها تضر وتنفع، ولذا عقبه بقوله: فاسألوهم, وأجابوه بقولهم: لقد علمت.... الآية. فقال حينئذ: أتعبدون.............. الآية.
وأما الثالثة: فإنما قالها تعريضًا بأنه سيسقم في المستقبل, واسم الفاعل يكون بمعنى المستقبل، ويحتمل أن يريد أني سقيم الحجة في الخروج معكم، وأما قوله: إنها أختي، فإنما عني أنها أخته في الإسلام، كما نص عليه بقوله: أنت أختي في الإسلام.
وأما قوله عن عيسى: "إنه لم يذكر ذنبًا"، فوقع في حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي: "إني اتُّخِذت" بالبناء للمفعول "إلهًا من دون الله" , وفي حديث أنس نحوه، وزاد: "وأن يغفر لي اليوم حسبي"، فسماه ذنبًا وليس بذنب؛ إذ لا صنع له فيه البتة.
"وفي حديث النضر" بضاد معجمة "ابن أنس" بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من رجال

الصفحة 334