كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

فصل القضاء، والإراحة من كرب الموقف، وبهذا تجتمع متون الأحاديث وتترتَّب معانيها. انتهى.
فظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- أوَّل من يشفع ليُقْضَى بين الخلق، وأنَّ الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك, وأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن, ثم ينادى لتتبع كل أمة ما كان تعبد، فيسقط الكفار في النار, ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق، ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه، فيطفأ نور المنافقين، فيسقطون في النار أيضًا، ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة، فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة
__________
والمرور عليه، فكأنَّ" بالتشديد اختصار لقول عياض، فيحتمل أنَّ "الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء, والإراحة من كرب الموقف", والشفاعة الأخرى: هي الشفاعة في المؤمنين على الصراط، وهي له -صلى الله عليه وسلم- لا لغيره، ثم بعدها شفاعة الإخراج, هذا حذفه من كلام عياض, ويتلوه: وبهذا تجتمع متون الأحاديث, وتترتَّب معانيها. انتهى" كلام عياض.
قال الحافظ: فكأنَّ بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، وأمَّا قول الطيبي جوابًا عن ذلك: لعلَّ المؤمنين صاروا فرقتين، فرقة سيق بهم إلى النار من غير توقف، وفرقة حبسوا في المحشر واستشفعوا به -صلى الله عليه وسلم، فخلصهم مما هم فيه وأدخلهم الجنة، ثم شرع في شفاعة الداخلين في النار زمرًا بعد زمر, كما دلَّ عليه قوله: "فيُحِدّ لي حدًّا.... " إلخ.
فاختصر الكلام، أو يراد بالنار لحبس والكربة, وما كانوا فيه من الشدة ودنوّ الشمس إلى رءوسهم, وحرها وسفعها, حتى ألجمهم العرق, وبالخروج الخلاص منها, فهو احتمال بعيد إلّا أن يقال: إنه يقع إخراجان، وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه, والمراد به: الخلاص من كرب الموقف, والثاني: بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والإذن في المرور عليه، ويقع الإخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور, فيتجه, "فظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- أول من يشفع ليُقْضَى بين الخلق، وأنَّ الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك" أي: بعد الشفاعة في فصل القضاء, "وأنَّ العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن، ثم ينادَى لتتبع كل أمة ما كانت تعبد, فيسقط الكفار في النار، ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود" فلا يستطيعه المنافقون, "عند كشف الساق", هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب والجزاء، يقال: كشفت الحرب عن ساق إذا اشتدَّ الأمر فيها، وقيل: غير ذلك, "ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليها, فيطفأ نور المنافقين فيسقطون:" يقعون "في النار أيضًا، ويمرّ المؤمنون عليه إلى الجنة، فمن العصاة من يسقط

الصفحة 340