كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
فقال له عمر: ما أضحك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قال: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب, خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله: ما تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء, قال: يا رب, فليتحمل من أوزاري" وفاضت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالبكاء, ثم قال: "إن ذلك ليوم عظيم, يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم, فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر، فقال: يا رب, أرى مدائن من ذهب وفضة مكلَّلة باللؤلؤ, لأي نبي هذا، أو لأي صديق هذا، أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن يعطي الثمن، فقال: يا رب، ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب, فإني قد عفوت عنه، قال الله تعالى، فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: "اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم, فإن الله يصلح بين المسلمين يوم القيامة " رواه
__________
فقال له عمر" بن الخطاب: "ما أضحكك يا رسول الله" أفديك "بأبي أنت وأمي، قال: "أضحكني رجلان" أي: خبر رجلين "من أمتي, جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب, خذ لي مظلمتي" بفتح الميم وكسر اللام "من أخي" في الدين, "فقال الله" للطالب "ما تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء، قال: يا رب, فليحمل من أوزاري" وفاضت" سالت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالبكاء" شفقة ورأفة ورحمة على المؤمنين, ثم قال: "إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس" إلى "أن يحمل عنهم من أوزارهم, فقال الله" للطالب "ارفع بصرك" إلى جهة العلوّ, فنظر "فقال: يا رب, أرى" أبصر "مدائن من ذهب وفضة مكلَّلة باللؤلؤ" وفي نسخة: باللآليء -بالجمع, "لأيّ نبي هذا، أو لأيّ صديق هذا، أو لأيّ شهيد هذا، قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب, ومن يملك ذلك؟ الثمن قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ " أي بأي شيء أملكه يا رب, "قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب, فإني قد عفوت عنه، قال الله تعالى: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة" معك، فعفا بفضله عنهما جميعًا وأرضى الخصم عن مظلمته, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: "اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" أي: الحال الذي يقع به الاجتماع, يتلاقى خل الشيء, "فإن الله يصلح بين المسلمين" , وفي لفظ: المؤمنين "يوم القيامة" أي: يوفِّق بينهم بإلهام المظلوم العفو عن ظالمه, وتعويضه عن ذلك بأحسن الجزاء.
وللطبراني بسند حسن عن أنس رفعه: "إذا التقى الخلائق يوم القيامة نادى منادٍِ: يا أهل الجمع, تداركوا المظالم بينكم, وثوابكم عليَّ" وله أيضًا عن أم هانيء رفعته: "إن الله يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، ثم ينادي منادٍ من تحت العرش: يا أهل التوحيد