كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

وفي حديث أبي هريرة عنه -صلى الله عليه وسلم: "ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أوّل من يجوز عليه، ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان, غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلّا الله تعالى، فتخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله, ومنهم
__________
وفي حديث أبي هريرة" أثناء حديث طويل عنه -صلى الله عليه وسلم: "ويضرب" بضم أوله وفتح ثالثه، أي: يمد "الصراط بين ظهراني جهنم" أي: بين أجزاء ظهرها, كأنها محيطة به.
قال القرطبي: الصراط لغة: الطريق, وعرفًا: جسر يضرب على ظهر جهنم, تمرّ الناس عليه إلى الجنة, فينجو المؤمنون على كيفيات تأتي, ويسقط المنافقون.
وفي رواية للبخاري: "ويضرب جسر جهنم"، أي: الصراط, "فأكون أنا وأمتي أوّل من يجيز" بضم التحتية وكسر الجيم بعدها تحتية فزاي معجمة، أي: من يمضي عليه ويقطعه، يقال: جاز الوادي وأجازه لغتان بمعنى قطعه وخلفه، وقال الأصمعي: جازه: مشى فيه, وأجازه: قطعه، قاله النووي وغيره, وقال القرطبي: يحتمل أنَّ الهمزة للتعددية؛ لأنه لما كان هو وأمته أول من يجوز عليه, لزم تأخير غيرهم حتى يجوزوا، فإذا جازوا كأنه أجاز بقية الناس.
وفي رواية للبخاري: "فأكون أنا أوّل من يجوز بأمته"، وله أيضًا: "أول من يجيزها"، أي: جهنم، أي: يجوز عليها, "ولا يتكلم يومئذ" أي: حين الإجازة "إلا الرسل" لشدة الهول؛ لأن في غيره: {تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} ويسأل الناس بعضهم بعضًا ويتلاومون, ويخاصم التابع المتبوعين, "ودعاء الرسل"
وفي رواية: "ولا يتكلم إلَّا الأنبياء, ودعوى الرسل" , "يومئذ: اللهمَّ سلِّم سلِّم" مرتين من كمال شفقتهم, "وفي جهنم كلاليب" جمع كلوب -بفتح الكاف وضم اللام الشديدة- حديدة مقطوفة الرأس. وفي رواية: وبه، أي: الصراط "كلاليب مثل شوك السعدان" بفتح السين والدال بينهما عين ساكنة مهملات جمع سعدانة, نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه، قالوا: مرعى ولا كالسعدان, والتشبيه به لسرعة اختطافها, وكثرة الانتشاب فيها مع الحرز والتصوف تمثيلًا بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة.
زاد في رواية للشيخين: هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "فإنها مثل شوك السعدان" "غير أنه" أي: الشأن.
وفي رواية: إنها، أي: الشوكة "لا يعلم قدر" , ولمسلم: "لا يعلم ما قدر"، قال القرطبي: قيدناه عن بعض مشايخنا بضم الراء على أن ما استفهامية، وقدر مبتدأ وبنصبها على أن ما زائدة.

الصفحة 364