كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
أعدائهم فيتهافتون في النار يمينًا وشمالًا. الحديث.
واعلم أنَّ في الآخرة صراطين: أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم إلّا من دخل الجنة بغير حساب، أو يلتقطه عنق من النار، فإذا خلص من خلص من الصراط الأكبر حبسوا على صراط آخر لهم، ولا يرجع إلى النار أحد من هؤلاء إن شاء الله؛ لأنهم قد عبروا الصراط الأوَّل المضروب على متن جهنم, وقد روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يخلص المؤمنون من النار, فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا, حتى إذا هذبوا ونقوا, أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي
__________
في النار يمينًا وشمالًا".
"الحديث" بقيته: وينجو النبي والصالحون, ثم تتبعهم الأنبياء, حتى يكون آخرهم نوح. قال الذهبي: غريب موقوف. انتهى، فيحتمل أن ابن سلام نقله من الكتب القديمة؛ لأنه حبرها، ويحتمل أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم, "واعلم أنَّ في الآخرة صراطين" كما ذكره القرطبي, "أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم" ثقيلهم وخفيفهم "إلّا من دخل الجنة بغير حساب، أو يلتقطه عنق" بضم العين والنون- أي: طائفة, وجانب "من النار, فإذا خلص من خلص من الصراط الأكبر" قال في التذكرة: ولا يخلص منه إلّا المؤمنون الذين علم الله منهم أنَّ القصاص لا يستنفد حسناتهم, "حبسوا على صراط آخر لهم, ولا يرجع إلى النار أحد من هؤلاء إن شاء الله، لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم" الذي يسقط فيها من أوبقه ذنبه وأربى على الحساب بالقصاص جرمه -كما في كلام القرطبي.
وقد روى البخاري" في المظالم والرقاق "من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسو الله -صلى الله عليه وسلم- زاد الإسماعيلي في هذه الآية: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] الآية "يخلص" بفتح التحتية وضم اللام، أي: ينجو: "المؤمنون من" السقوط في "النار" بعدما يجوزون الصراط, "فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار" قيل: إنها صراط آخر، وقيل: إنها من تتمة الصراط, وإنها طرفه الذي يلي الجنة, قال الحافظ: لعل أصحاب الأعراف منهم على القول الراجح, "فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا" بضم التحتية وسكون القاف ثم فوقية مفتوحة.
كذا في الفرع بضم التحتية وضبطه الحافظ وتبعه العيني بفتحها، فاللام زائدة, أو الفاعل محذوف وهو الله تعالى, أو من أقامه في ذلك, وللبخاري في المظالم: "فيقتص بعضهم من