كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

نفس محمد بيده, لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا".
وأما تفضيله -صلى الله عليه وسلم- بأنه أوَّل من يقرع باب الجنة وأوَّل من يدخلها، ففي صحيح مسلم, من حديث المختار بن فلفل, عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر الناس تبعًا يوم القيامة، وأنا أوّل من يقرع باب الجنة".
__________
بعض"، وفي رواية: فيقص -بضم التحتية وفتح القاف وبدون تاء- مبنيًّا للمفعول، قاله المصنف, "حتى إذا هذبوا" بضم الهاء وكسر المعجمة المشدَّدة فموحدة من التهذيب, "ونقوا" بضم النون والقاف المشددة من التنقية.
قال الجوهري: التهذيب كالتنقية, ورجل مهذَّب أي: مطهر الأخلاق. فعلى هذا قوله: ونقوا, تفسير لهذبوا, والمراد التخليص من التبعات، فإذا خلصوا منها, "أذن" بضم الهمزة وكسر المعجمة "لهم في دخول الجنة" وليس في قلوب بعضهم على بعض غلّ كما في الحديث، أي: حقد كامن في قلوبهم، بل ألقى الله فيها التواد والتحاب, "فوالذي نفس محمد بيده, لأحدهم" فتح اللام للتأكيد, وأحد مبتدأ خبره قوله: "أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله" الذي "كان في الدنيا".
قال الطيبي: هدى لا يتعدَّى بالباء بل باللام وإلى، فالوجه أن يضمَّن معنى اللصوق، أي: ألصق بمنزله هاديًا إليه، وفي معناه قوله: يهديهم ربهم بإيمانهم، أي: يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة, فجعل تجري من تحتهم الأنهار بيانًا له وتفسيرًا؛ لأن التمسُّك بسبب السعادة كالوصول إليها. انتهى، وما سبق عن عبد الله بن سلام، أن الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينًا وشمالًا، فهو محمول على من لم يحبس بالقنطرة, أو على الجميع, وأن الملائكة تقول لهم ذلك قبل دخول الجنة، فمن دخلها عرف منزله؛ لأن منازلهم كانت تعرض عليهم غدوًّا وعشيًّا, والله أعلم.
"وأما تفضيله -صلى الله عليه وسلم- بأنه أوَّل من يقرع" يدق ويطرق "باب الجنة, وأول من يدخلها، ففي صحيح" أي: فدليله, أو فيدل عليه ما في "مسلم" في كتاب الإيمان, من حديث المختار بن فلفل -بضم الفاءين وإسكان اللام الأولى- مولى عمرو بن حريث، صدوق, له أوهام "عن أنس" هذا هو الصواب، ويقع في نسخ "عن ابن عباس" وهو خطأ, فالذي في مسلم عن أنس بن مالك "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر الناس" كذا في النسخ، والذي في مسلم: الأنبياء "تبعًا" بفتح الفوقية والموحدة- جمع تابع, "يوم القيامة" لبقاء شريعته ودوامها إلى يوم القيامة، وخصَّه لأنه يوم ظهور ذلك لأهل الجمع, ويوضحه خبر مسلم أيضًا: "إن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد ولا يعارضه، وأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا" إمَّا لأنَّ رجاءه محقق الوقوع

الصفحة 375