كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
لأحد بعدك".
فقيامه له -صلى الله عليه وسلم- خاصة، فيه إظهار لمزيته ومرتبته, وأنه لا يقوم في خدمة أحد بعده، بل خزنة الجنة يقومون في خدمته, وهو كالملك عليهم، وقد أقامه الله تعالى في خدمة عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم.
وروى سهيل بن أبي صالح عن زياد المهري, عن أنس بن مالك قال: قال
__________
والسيوطي في جامعيه من زيادة أن.
وقد تعقَّب بأنَّ الذي في نسخ مسلم الصحيحة المقروءة بدون أن، وأحد في سياق النفي للعموم, فيفيد استغراق جميع الأفراد, أي: لا من الأنبياء ولا من غيرهم، وفيه أنَّ طلب الفتح إنما هو للخازن, وإلّا لما كان هو المجيب, ولم يطلبه منها بلا واسطة, مع أنه جاء عن الحسن وقتادة وغيرهما أنَّ أبوابها يرى ظاهرها من باطنها وعكسه، وأنها تتكلم وتكلم, وتعقل ما يقال لها: انفتحي انغلقي؛ لأن الظاهر كما قال بعضهم: إنها مأمورة بعدم الاستقلال بالفتح والغلق, وأنها لا تستطيع ذلك إلّا بأمر عريفها المالك لأمرها بإذن ربها، وإنما يطالب بما يراد من القوم عرفاؤهم, ولا تعارض بين الحديث وبين قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} , {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71] ووجه الرازي وغيره: بأنه يوجب السرور والفرح؛ حيث نظروها مفتَّحة من بعد, وفيه الخلاص من ذل الوقوف للاستفتاح؛ لأن أبوابها تفتح أولًا بعد الاستفتاح من جمع, ويكون مقدمًا بالنسبة إلى البعض, كما يقتضيه خير أنَّ الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام، والظاهر أنها لا تغلق بعد فتحها للفقراء, هذا أحسن الأجوبة الستة -كما قال بعض المحققين, ونوقش في باقيها.
"ورواه الطبراني وزاد فيه، قال: "فيقوم الخازن" رضوان "فيقول: لا أفتح لأحد قبلك" كما أمرت، ولا يعارضه خبر الديلمي وأبي نعيم: "أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فيفتحها الله عز وجل لي"؛ لأنه تعالى هو الفاتح الحقيقي, وتولي رضوان ذلك إنما هو بأمره تعالى وإقداره وتمكينه, "ولا أقوم لأحد بعدك" فقيامه له -صلى الله عليه وسلم- خاصَّةً فيه إظهار لمزيته ومرتبته، وأنه لا يقوم في خدمة أحد بعده، بل خزنة الجنة يقومون في خدمته" أي: رضوان, "وهو كالملك" الحاكم عليهم، وقد أقامه الله تعالى في خدمة عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم" حتى مشي وفتح له الباب, وحكمة اتخاذ الخدمة للجنة مع أنَّها إنما تكون عرفًا لما خيف ضياعه أو تلفه أو نقصه, فيفوت كله أو بعضه أو وصفه على صاحبه, ولا يمكن ذلك في الجنة هي مراعاة الداخلين إكرامًا لهم، فتقدم الخزنة لكل منهم ما أعد له من النعيم "وروى سهيل" بضم السين- مصغر "ابن أبي صالح" ذكوان السمّان أبو يزيد المدني، صدوق تغير حفظه بأخرة.