كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفَّع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي, فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر" رواه الترمذي.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا أوّل الناس خروجًا إذا بعثوا, وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وقائدهم إذا وفدوا، وشافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا, لواء الحمد بيدي، ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد
__________
"وأنا حبيب الله ولا فخر" ولم يقل: وإني خليل الله, مع قوله في حديث آخر: "إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا"؛ لأنه في مقام بيان ما زاد به عليهم, "وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأوّل مشفَّع" بشد الفاء مفتوحة، أي: مقبول الشفاعة, وذكره لأنه قد يشفع اثنان فيشفع الثاني قبل الأول، وفيه: أن غيره يشفع ويشفع, وكونه أولًا فيهما بين علوّ منزلته وتقدم هذا, "ولا فخر، وأنا أوّل من يحرك حلق الجنة" بفتح اللام- جمع حلْقة بسكونها لى غير قياس، وفي لغة بفتحها، فالجمع قياسي, "فيفتح الله لي" لا يعارضه ما مَرَّ أنَّ الفاتح رضوان؛ لأن الفاتح الحقيقي هو الله تعالى, وتولّي رضوان ذلك إنما هو بأمره وإقداره وتمكينه، ونظيره: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 39] {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} "فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين" أي: يدخلون عقبه بسرعة فكأنهم دخلوا معه، ولأبي داود عن أبي هريرة رفعه: "إن أبا بكر أوّل من يدخل الجنة" , ولأبي نعيم عن أبي هريرة مرفوعًا: "أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر, وأول من يدخل عليَّ الجنة ابنتي فاطمة"، أي: من النساء, وأبو بكر من الرجال, فلا خلف, "ولا فخر" أي: لا أفتخر بذلك، بل بمن أعطانيه، أو أقول ذلك شكرًا لا فخرًا, وهو ادعاء العظمة والمباهاة, "وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر".
"وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس خروجًا" من القبر "إذا بعثوا" وهذا بمعنى قوله: "أنا أوّل من تنشق عنه الأرض" , "وأنا خطيبهم" المتكلم عنهم "إذا أنصتوا, وقائدهم إذا وفدوا" على ربهم, "وشافعهم إذا حبسوا" منعوا عن دخول الجنة, "وأنا مبشرهم" بقبول شفاعتي لهم عند ربهم ليريحهم "إذا أيسوا" من الناس, "لواء الحمد بيدي, ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي" يعني: أشفع فيمن شئت، فكأنَّ المفاتيح بيدي افتح بها لمن شئت وأدخله, وأمنع من شئت، ويحتمل أنها بيده حقيقة على ظاهره, وإن كانت لا تغلق بعد أن تفتح على ما