كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

في التذكرة، فذكر باب محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: وهو باب الرحمة، وهو باب التوبة. فإن قلت: كم عدة أبواب الجنة؟
فاعلم أنَّ في حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعًا: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله, هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة, ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة, ومن كان من أهل الصيام دعي من باب
__________
الحكيم أبواب الجنة -كما نقله عنه القرطبي في التذكرة، فذكر باب محمد -صلى الله عليه وسلم، قال: وهو باب الرحمة, وهو باب التوبة" مناسب لكونه أرسل رحمة للعالمين, ولكونه يحب توبة أمته -عليه السلام.
فإن قلت: كم عدة أبواب الجنة؟ فاعلم أنَّ في حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعًا: "أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أنفق زوجين" أي: شيئين من نوع واحد من أنواع المال، وقد جاء تفسيره مرفوعًا: بعيرين شاتين حمارين درهمين، وفي رواية: فرسين نعلين، زاد في بعض طرق الحديث من ماله, "في سبيل الله" أي: في طلب ثوابه أعمَّ من الجهاد وغيره من العبادات. وقيل: المراد شيئين ولو اختلف نوعهما؛ كدينار ودرهم, ودرهم وثوب, وخف ولجام، أي: لأنَّ الزوج يطلق على الواحد المقترن بغيره, كما يطلق على الاثنين، وجوَّز التوربشتي أن يزيد الإنفاق مرة بعد أخرى.
قال الطيبي: وهو الوجه: إذا حملت التثنية على التكرير؛ لأن القصد من الإنفاق التثبيت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال, والمواظبة على ذلك -كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [سورة البقرة: 265] أي: ليتثبتوا ببذل المال الذي هو شقيق الروح, وبذله أشق شيء على النفس من سائر العبادات الشاقات, "دعي" وفي رواية: نودي "من أبواب الجنة, يا عبد الله, هذا خير" قال الحافظ: أي: فاضل لا بمعنى أفضل, وإن أوهمه اللفظ، ففائدته: رغبة السامع في طلب الدخول من ذلك الباب.
وفي لفظ للبخاري: "دعاه خزنة الجنة, كل خزنة باب"، أي: خزنة كل باب، أي: "فُلُ هلمَّ" بضم اللام لغة في فلان، وبه ثبتت الرواية، وقيل: ترخيمه, فاللام مفتوحة, "فمن كان من أهل الصلاة" أي: كانت أغلب أعماله وأكثرها, "دعي من باب الصلاة, ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد" , "ومن كان من أهل الصدقة" المكثرين منها "دعي من باب الصدقة". لا يتكرر مع قوله: أولًا: "من أنفق زوجين"؛ لأن الإنفاق ولو قلَّ من الخيرات العظيمة, وذلك حاصل من كل أبواب الجنة, وهذا استدعاء خاص, "ومن كان من أهل الصيام" المكثرين منه "دعي من

الصفحة 388