كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

الريان".
وروى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرفوعًا: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء, ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله, إلّا فتحت له من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" بزيادة "من".
قال القرطبي: وهو يدل على أنَّ أبواب الجنة أكثر من ثمانية، قال: وانتهى عددها إلى الثلاثة عشر بابًا، كذا قال:
__________
باب الريان" مشتق من الريّ، خُصَّ بذلك لما في الصوم من الصبر على ألم العطش في الهواجر.
قال الحافظ: ومعنى الحديث: إن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل، ولأحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي هريرة: "لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل"، فذكر أربعة أبواب وهي ثمانية, وبقي الحج فله باب بلا شك، وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، رواه أحمد عن الحسن مرسلًا: "إن لله بابًا في الجنة لا يدخله إلّا من عفا عن مظلمة"، والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب، والثامن لعلَّه باب الذكر، ففي الترمذي ما يوميء إليه, ويحتمل أنه باب العلم، ويحتمل أنَّ الأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الثمانية الأصلية؛ لأن الأعمال الصالحة أكثر عددًا من ثمانية، والمراد ما يتطوّع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها؛ لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات بخلاف التطوعات، فقلَّ من يجتمع له العمل بجميع أنواعه، وإليه الإشارة بقوله في بقية الحديث، فقال أبو بكر: يا رسول الله, ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة, فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها، قال: "نعم, وأرجو أن تكون منهم"، ولابن حبان، فقال: "أجل, وأنت هو يا أبا بكر".
"وروى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء" بإتيان فرائضه وسننه وآدابه, "ثم قال" في مسلم: ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا عبده ورسوله, إلّا فُتِحَت له من أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء" بزيادة من في رواية الترمذي وليست في رواية مسلم.
"قال القرطبي: وهو يدل على أنَّ أبواب الجنة أكثر من ثمانية"؛ لأن الثمانية بالرفع نائب فاعل فتحت, وجملة من أبواب الجنة حال، ومن للتبعيض، أي: فتحت له الثمانية حالة كونها بعض أبواب الجنة، فلا يرد عليه منع إفادة من للزيادة؛ لأن غايته إفادة أنه فتحت له بعض الأبواب الموصوفة بأنها ثمانية, وقد يكون هذا أقرب ليوافق رواية مسلم بدون من, وهو حديث واحد، ويحتمل أنَّ مِنْ ليست للتبعيض, بل للبيان لرواية مسلم, "قال: وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابًا، كذا قال: "تبرأ منه لاحتياجه إلى توقيف؛ ولأن دليله محتمل.

الصفحة 389