كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

فهي مترادفة من هذا الوجه، ومختلفة باعتبار صفاتها، فاسم الجنَّة هو الاسم العام المتناول لتلك الذوات وما اشتملت عليه من أنواع النعيم والسرور وقرة العين، وهذه اللفظة مشتَقَّة من الستر، ومنه سمي البستان جنة؛ لأنه يستر داخله بالأشجار، والجنان كثيرة جدًّا، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لأم حارثة لما قُتِلَ ببدر، وقد قالت: يا رسول الله, ألا تحدثني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء عليه، فقال: "يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى" وقال تعالى: {لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]
__________
الإقامة, والمقامة الأمين, ومقعد صدق, وقدم صدق, والحيوان, وغير ذلك, "وكلها باعتبار صفاتها ومسمَّاها واحد باعتبار ذاتها، كأسماء الله, وأسماء رسوله -كما في حادي الأرواح, فهي مترادفة من هذا الوجه, ومختلفة باعتبار صفاتها، فاسم الجنة هو الاسم العام المتناول لتلك الذوات، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم والسرور وقرة العين" فرحها "وهذه اللفظة" أي: الجنة "مشتَقَّة من الجن، أي: الستر، ومنه سُمِّيَ البستان جنة؛ لأنه يستر داخله بالأشجار، والجنان كثيرة جدًّا كما قال -صلى الله عليه وسلم- لأم حارثة" بن سراقة الأنصاري, واسم أمه: الربيع بنت النضر, عَمَّة أنس بن مالك "لما قتل يوم بدر" رماه ابن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض فقتله.
"وقد قالت: يا رسول الله, ألا تحدثني عن حارثة, فإن كان في الجنة صبرت, وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء عليه" ومقول القول: "يا أم حارثة: إنها جنان" أي: درجات في الجنة, "وإن ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى" وهذا الحديث رواه البخاري في الجهاد, عن أنس بلفظ المصنف, وضمير إنها مبهم يفسره ما بعده، كقولهم: هي العرب تقول ما تشاء، والمراد بذلك التفخيم والتعظيم.
ورواه في المغازي: والرقاق عن أنس بلفظ: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام, فجاءت أمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله, قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن يكن الأخرى ترى ما أصنع, فقال: "ويحك, أوهبلت, أوجنة واحدة, إنها جنان كثيرة, وإنه في الفردوس الأعلى" وقال تعالى: {لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قيامه بين يديه للحساب بترك معصيته
روى الحافظ أبو الغنائم الترسي في كتابه أنس العاقل وتذكرة الغافل, عن أم سلمة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا وصيفة له فأبطأت عليه، فقال لها: "لولا خوف الله يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك"، وروي فيه أيضًا عن مجاهد في الآية، قال: "هو الذي يهمّ بالمعصية، فيذكر الله فيدعها" "جنتان" جنة للخائف الأنسي, والأخرى للخائف الجني، فإن الخطاب للفريقين، والمعنى: لكل

الصفحة 394