كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لن يدخل الجنة أحد بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا, إلّا أن يتغمدني الله برحمته" أي: يلبسنيها ويسترني بها، مأخوذ من غمد السيف وهو غلافه.
وعند الإمام أحمد بإسناد حسن، من حديث أبي سعيد الخدري: "لن يدخل الجنة أحد إلّا برحمة الله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا, إلّا أن يتغمدني الله برحمته"، وقال: بيده فوق رأسه، يعني: إن الجنة إنما تدخل برحمة الله وليس عمل العبد سببًا مستقلًّا بدخولها, وإن كان سببًا، ولهذا أثبت الله دخولها بالأعمال في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزحرف: 72] ونفى -صلى الله عليه وسلم- دخولها بالأعمال في قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" ولا تنافي بين الأمرين، لما ذكره سفيان وغيره، قال: كانوا يقولون: النجاة من النار
__________
إلّا برحمة الله تعالى" التي وسعت كل شيء في الدنيا, وخصّ بها في الآخرة المتقين الكفر بالإيمان.
"كما في البخاري ومسلم من حديث عائشة: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لن يدخل أحد الجنة بعمله" لما كان أجره -صلى الله عليه وسلم- في الطاعة أعظم, وعمله في العبادة أقوم "قالوا: ولا أنت يا رسول الله" لا تدخلها بعملك مع عظم قدرك, "قال: "ولا أنا, إلّا أن يتغمدني" بغين معجمة "الله برحمته" استثناء منقطع، ويحتمل اتصاله من قبيل قوله تعالى: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] أي: يلبسنيها ويسترني بها" تفسير لتغمدني, "مأخوذ من غمد السيف" بكسر المعجمة وسكون الميم- وهو غلافه -بمعجمة وفاء- قرابه.
وعند الإمام أحمد بإسناد حسن من حديث أبي سعيد" الخدري مرفوعًا: "لن يدخل الجنة أحد إلّا برحمة الله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله, قال: "ولا أنا, إلّا أن يتغمدني" يسترني "الله برحمته" وقال بيده" أي: وضعها "فوق رأسه" كأنَّه إشارة إلى أنَّه يتغمده ويستره كله، وفيه: إن العامل لا يتَّكِلُ على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات؛ لأنه إنما عمل بتوفيق الله، وإنما ترك المعصية بعصمة الله، فكل ذلك بفضله ورحمته, "يعني: إن الجنة إنما تدخل برحمة الله, وليس عمل العبد سببًا مستقلًّا بدخولها, وإن كان سببًا" في الجملة, "ولهذا أثبت الله دخولها بالأعمال في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43] ونفى -صلى الله عليه وسلم- دخولها بالأعمال في قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" ولا تنافي بين الأمرين الإثبات والنفي, "لما ذكر سفيان وغيره، قال: كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله, ودخول الجنة برحمة الله, واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال, وهذا قالوه: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}