كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

فما أحلاها من كلمة، وما ألذَّها من بشرى، فعندها يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنَّا الحزن, وأحَلَّنا دار المقامة من فضله, لا يمسنا نصب ولا يمسنا فيها لغوب، إنَّ ربنا لغفور شكور،
__________
ولا نهار, قد علم الله مقدار تلك الساعات، فإذا كان يوم الجمعة في وقت الجمعة التي يخرج أهل الجمعة إلى جمعتهم, نادى منادٍ: يا أهل الجمعة, أخرجوا إلى دار المزيد، فيخرجون في كثبان المسك"، قال حذيفة: والله لهو أشد بياضًا من دقيقكم هذا، "فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور, وغلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت، فإذا قعدوا وأخذوا مجالسهم, بعث الله عليهم ريحًا تثير عليهم المسك الأبيض فتدخله في ثيابهم, وتخرجه من جيوبهم، فيقول الله: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب, وصدقوا رسلي, فهذا يوم المزيد, فيجتمعون على كلمة واحدة، إنا قد رضينا فارض عنَّا، فيقول: لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، فهذا يوم المزيد، فسلوني، فيجتمعون على كلمة واحدة، أرنا وجهك ننظر إليه, فيتجلَّى لهم فيغشاهم من نوره، فلولا أنَّ الله قضى أن لا يموتوا لاحترقوا".
وللبيهقي عن جابر رفعه: "بينا أهل الجنة في منازلهم؛ إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم, فإذا الرب قد أشرف، فقال: يا أهل الجنة سلوني، قالوا: نسألك الرضا عنَّا, قال: رضاي أحلَّكم داري, وأنيلكم كرامتي، هذا أوانها فسلوني، قالوا: نسألك الزيادة، فيؤتون بنجائب من ياقوت، إلى أن قال: حتى ينتهي بهم إلى جنة عدن, وهي قصبة الجنة، فتقول الملائكة: يا ربنا قد جاء القوم، فيقول: مرحبًا بالصادقين، مرحبًا بالطائعين، فيكشف لهم الحجاب, فينظرون إليه، فيتمتعون بنور الرحمن, حتى لا يبصر بعضهم بعضًا، ثم يقول: ارجعوهم إلى القصور بالتحف، فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضًا" قال -صلى الله عليه وسلم: فذلك قول الله: {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت/ 32] الآية, "فما أحلاها من كلمة وما ألذَّها من بشرى, فعندها يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن".
قال ابن عباس: حزن النار، رواه الحاكم وصحَّحه، ولابن أبي حاتم عن ابن عباس: حزن ذنوب سلفت، وله عن الشعبي: طلب الخبز في الدنيا غداء وعشاء، وقيل: الجوع، وقيل: وسوسة إبليس وغيرها, "وأحلَّنَا دار المقامة" أي: الإقامة من فضله, من إنعامه وتفضله؛ إذ لا واجب عليه "لا يمسنا فيها نصب" تعب, "ولا يمسنا فيها لغوب" إعياء من التعب لعدم التكليف فيها، وذكر الثاني التابع للأول للتصريح بنفسه.
أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى، قال رجل: يا رسول الله, إن النوم مما يقر الله به أعيننا في الدنيا، فهل في الجنة نوم؟ قال: "لا، النوم شريك الموت, وليس في

الصفحة 427