كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

وخللي، فالكريم يقيل العثار، ويقبل الاعتذار، خصوصًا عذر مثلي، مع قصر باعه في هذه الصناعة، وكساد سوقه بما لديه من مزجاة البضاعة، وما ابتلي به من شواغل الدنيا الدنية، والعوارض البدنية، وتحمّله من الأثقال التي لو حملها رضوى لتضعضع, أو أنزلت على ثبير لخشع وتصدّع، لكنني أخذت غفلة الظلام الغاسق،
__________
الجوهري -بالفتح والكسر، واقتصر الأكثر على الكسر، منهم: ابن قتيبة وثعلب والأزهري؛ لأنه مستعار من سداد القارورة "خطئي وخللي".
قال العلامة ناصر الدين اللقاني: والمرتضى عندهم في إصلاح ما يقف عليه الناظر في كلام غيره التنبيه على ذلك بالكتابة في حاشية أو غيرها، لا المحو والإثبات من الأصل؛ إذ لعلَّ الصواب ما في الأصل والتخطئة خطأ. انتهى.
ولذا قال شيخنا: ليس المراد أنَّه يغير ما يراه من الخلل، بل المراد أنه إذا رآه وأمكن الجواب عنه أجاب، وإلّا بَيِّنَ فساده, واعتذر بأنَّ الإنسان محلّ السهو والغفلة. انتهى.
وقد قيل بذلك, ولو كان لحنًا أو خطًأ محضًا في الحديث النبوي، لكن الأكثر من العلماء والمحدثين أنه يصلح ويقرأ الصواب، لا سيما في لحنٍ لا يختلف المعنى به وهو الأرجح؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقله، ومنهم من صوب إبقاءه مع التضبيب عليه, "فالكريم يقيل" من الإقالة, "العثار" بكسر المهملة "ويقبل" من القبول "الاعتذار, خصوصًا عذر مثلي, مع قصر باعه في هذه الصناعة" الحديثية, "وكساد سوقه" عدم نفاقه ورواجه "بما لديه" أي: بسبب ما عنده "من مزجاة البضاعة" من إضافة الصفة للموصوف، أي: بضاعة مزجاة.
قال البيضاوي: ردية أو قليلة ترد وتدفع رغبةً عنها, من أزجيته إذا دفعته، وفي المصباح: البضاعة -بالكسر- قطعة من المال تعد للتجارة، ففيه استعارة, شبَّه العلم الذي حصله بمال قليل معَدّ للتجارة فيه وطلب الربح منه, والقليل في يد التاجر بعد حصول الربح منه، فلا اعتراض من كان بصفته, وتعرض للتأليف بأن في عبارته سقطًا أو غيره، قال هذا المصنف تواضعًا واعترافًا بالعجز؛ إذ له اليد الطولى في علوم عديدة ومصنفات كثيرة مستعملة مرغوب فيها, من أجَلِّها المواهب, "وما ابتلي به من شواغل الدنيا الدنية, والعوارض البدنية" من الأمرض, وذلك عذر كبير في حصول الخلل, "وتحمله من الأثقال التي لو حملها رضوى" بفتح الراء وإسكان المعجمة بوزن سكرى- جبل بالمدينة "لتضعضع" خضع وذلَّ وافتقر -كما في القاموس, "أو أنزلت على ثبير" جبل بمكة قرب المزدلفة, "لخشع وتصدَّع" أي: تشقَّقَ، والقصد بهذا التمثيل لشدة ما أصابه, حتى أنه لو حلَّ بهذين الجبلين مع غلظهما وصلابتهما ما أطاقاه.
قال ذلك مبالغة في شدة البلايا التي أصابته, "لكنني أخذت غفلة الظلام الغاسق" أي: الشديد السواد، أي: الغفلة الحاصلة للناس في شدة الظلام المانعة عن سعيهم في مصالحهم

الصفحة 433