كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

وخلفائه صلاةً لا ينقطع مددها، ولا يفنى أمدها.
والله أسأل أن ينفع به جيلًا بعد جيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل, وأستودع الله تعالى نفسي وديني وخواتيم عملي، وما أنعم به عليَّ ربي، وهذا الكتاب، وأن
__________
يجعل أحبابه من غير آله وصحبه لجريهم على سننهم, وخلفائه القائمين بنشر أحاديثه وتبليغها للناس كما ورد: الأئمة المقسطين من غير الصحابة, "صلاة لا ينقطع مددها, ولا يفني أمدها" غايتها.
قال مؤلفه -رحمه الله تعالى ورفع درجاته في الجنان: وقد انتهت كتابة هذا النسخة المباركة النافعة -إن شاء الله تعالى, المنقولة من المسوَّدة المرجوع عن كثير منها, مع زيادات جَمَّة مَنَّ الله تعالى بها في خامس عشر شعبان المكرم, سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وتَمَّت المسودة في الثاني من شوال سنة ثمان وتسعين وثمانمائة, وكان الابتداء في المسودة المذكورة ثاني يوم من قدومي من مكة المشرَّفة صحبة الحاج في شهر محرم, سنة ثمان وتسعين وثمانمائة", وفي هذا همة علية جدًّا من المصنف -رحمه الله، يبدأ عقب السفر غير مبالٍ بالتعب، ثم يتمّ جزئين في نحو تسعة أشهر، فذكره لهذا من باب التحدث بالنعمة, "واللهَ" بالنصب قدّم على عامله, وهو "أسأل" لإفادة التخصيص عند البيانين، والحصر عند النحويين -كما قاله الزمخشري: في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} ، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي} , {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} خلافًا لابن الحاجب في أنه للاهتمام, قال: ولا دليل على كونه للحصر، قال بعضهم: دليله الذوق وفهم أئمة التفسير, مع حصوله الاهتمام أيضًا؛ إذ لا ينافي الاختصاص "أن ينفع به جيلًا" بكسر الجيم وسكون التحتية- أمة "بعد جيل" ويجمع على أجيال، وفيه محض الإخلاص بتأليفه, وأنه لم يترقّب عليه منفعة من مخلوق, ولا قصد به التوسل إلى القرب منهم؛ كعادة كثير من المؤلفين، وسلك سنن الأئمة في الدعاء بالانتفاع بتأليفه؛ لتحصل الثمرة به عاجلًا بالانتفاع به في الدنيا, وآجلًا بالثواب الجزيل بفضل الله في الأخرى؛ لئلّا يذهب عناؤه باطلًا، بجميل صنع الله تعالى قبول دعوته, فإن الله تعالى قد نشر ذكره في الآفاق, وجبل قلوب كثير من الخلق على محبته, والاشتغال به, وهي من علامات القبول, وتعجيل بشرى المؤمن, وإلا فكم من تأليف حسن طوى ذكره, ولم يشتغل به، والرجاء منه تعالى أن يتمّ الإنعام بالإحسان الأخروي, "وحسبنا الله" كافينا "ونعم الوكيل" المفوّض إليه الأمر، وأتى بها استعانةً لوقوف في أمر عظيم, هل يقبل تأليفه وينتفع به، وقد دلّت الآية على استحباب هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة.
وروى ابن مردويه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا وقعتم في أمر عظيم فقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" قاله في الإكليل, "وأستودع الله تعالى نفسي وديني وخواتيم عملي وما

الصفحة 435