كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

ينفعني به والمسلمين، وأن يردني وأحبابي إلى الحرمين الشريفين على أحسن وجه وأتمه، وأن يرزقني الإقامة بهما في عافية بلا محنة، وأن يطيل عمري في طاعته، ويلبسني أثواب عافيته، ويجمع لي وللمسلمين بين خيري الدنيا والآخرة، ويصرف عني سوءهما، ويجعل وفاتي ببلد رسوله، ويمنحنا من المدد المحمدي بما منحه
__________
أنعم به عليَّ ربي" أي: أَكِلُ ذلك كله إلى الله, وأتبرأ من حفظه, وأتخلى من حرسه, وأتوكل عليه، فإنه تعالى الوافي الحفيظ, إذا استودع شيئًا حفظه، وفيه إلماح إلى أنه مسافر من الدنيا، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقول للمسافر: "استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك".
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصحَّحه الحاكم على شرطهما, "بهذا" التأليف، "وأن ينفعني به والمسلمين" ذكر السؤال بالنفع ثلاث مرات؛ لأن الله يحب الملحين في الدعاء، وأقلّ الإلحاح ثلاث مرات، "وأن يردَّني وأحبابي إلى الحرمين الشريفين على أحسن وجه وأتمه، وأن يرزقني الإقامة بهما في عافية بلا محنة" بلية واختيار, "وأن يطيل عمري في طاعته"؛ لأنها خير الزاد, موجبة للسعادة الأبدية.
روى الحاكم عن جابر، قال -صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخياركم"، قالوا: بلى، قال: "خياركم أطولكم أعمارًا وأحسنكم أعمالًا".
وروى أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح, والحاكم، وقال: على شرطهما, عن أبي بكرة رفعه: "خير الناس من طال عمره وحَسُنَ عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله" , "ويلبسني أثواب عافيته" لأقوى بها على طاعته.
روى أحمد والترمذي عن العباس أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا عباس, يا عم رسول الله, سل الله العافية في الدنيا والآخرة".
ولأحمد والترمذي عن الصديق: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام أوّل على المنبر، فقال: "سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية".
وللنسائي وابن ماجه عن أنس رفعه: "سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت المعافاة في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت" , "ويجمع لي والمسلمين بين خيري الدنيا والآخرة, ويصرف عني سوءهما" وعن المسلمين, ففيه اكتفاء, "ويجعل وفاتي ببلد رسوله" ولم يقع ذلك، بل مات بمصر كما مَرَّ, ولكن الرجاء من كرم الله وجوده أن يعوضه عن هذه الدعوة.
وقد روى أحمد وصحَّحه الحاكم عن أبي سعيد، رفعه: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلّا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يعجل له دعوته, وإمَّا أن يدخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها".

الصفحة 436