كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

عباده الصالحين مع رضوانه، ويمتِّعنا بلذة النظر إلى وجهه الكريم, من غير عذاب يسبق، فإنه سبحانه إذا استودع شيئًا حفظه، والحمد لله وحده, وصلى الله على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم.
__________
وللحاكم عن جابر مرفوعًا في حديث طويل: "فلا يدعو المؤمن بدعوة إلّا استجيب له، إمَّا أن تعجل له في الدنيا, وإما أن تدخر له في الآخرة" , فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليته لم يكن عجّل له شيء من دعائه، وتعجيلها في الدنيا شامل لعين المسئول، ولبدله بدليل قوله في الحديث قبله: "وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".
ولذا قال الحافظ: إن الإجابة تتنوّع، فتارة بعين المطلوب فورًا، وتارة يتأخّر لحكمة فيه، وتارة يغير عين المطلوب؛ حيث لا مصلحة فيه، وفي الواقع مصلحة ناجزة, أو أصلح منها, "ويمنحنا من المدد المحمدي بما منحه" أعطاه "عباده الصالحين, مع رضوانه, ويمتعنا بلذة النظر إلى وجهه الكريم من غير عذاب يسبق، فإنه سبحانه إذا استودع شيئًا حفظه".
روى أحمد عن ابن عمر، رفعه: "إن لقمان الحكيم قال: إن الله إذا استودع شيئًا حفظه" والحمد لله وحده, وصلى الله على سيدنا محمد, وآله وصحبه وسلم" هذا, وقد مَنَّ الله سبحانه وتفضَّل على عبده مع عجزه وضعفه بإتمام هذا الشرح المبارك -إن شاء الله تعالى- في مدة طويلة جدًّا, آخرها يوم الاثنين المبارك بين الظهر والعصر, ثالث عشر جمادى الثانية سنة سبع عشرة بعد مائة وألف من الهجرة النبوية, على صاحبها أفضل صلاة وتحية، والله أسأل من فضله متوسلًا إليه بأشرف رسله أن يجعله لوجهه خالصًا, وأن يظلني في ظل عرشه؛ إذ الظل أضحى في القيامة قالصًا، وأن ينفع به إلى المعاد, وأن يثيبني والمسلمين به في يوم التناد، وأن ينفع به نفعًا جمًّا, ويفتح به قلوبًا غلفًا, وأعينًا وآذانًا صمًّا، وأعوذ بالله من حاسدٍ يدفع بالصدر، فهذا لله لا لزيد ولا لعمرو قد سار بنعمة الله قبل كمال نصفه سير الشمس في المشارق والمغارب، وتقطَّعت أوراقه قبل إكماله بكثرة من له كتاب, وكتب منه نسخ لا تحصى من خطى, ومن فروعه, فرحم الله تعالى من نظر إليه بعين الإنصاف, والتمس مخرجًا لما يراه من زلل وإتلاف، فإني لجدير بأن أنشد قول القائل:
حمدت الله حين هدى فؤادي ... لما أبديت مع عجزي وضعفي
فمن لي بالخطأ فأرد عنه ... ومن لي بالقبول ولو بحرف
وأعوذ برب الفلق من شر ما خلق, إلى تمام السورتين، فما أجدني بإنشاد قول من قال من أهل الكمال:
إني لأرحم حاسدي لفرط ما ... ضاقت صدورهم من الأوعار

الصفحة 437