كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 12)

وقوله: "بل أنا وا رأساه" إضراب، يعني: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي.
فإن قلت: قد اتفقوا على كراهة شكوى العبد كربه، وروى أحمد في الزهد عن طاوس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن تأوّه المريض مكروه.
قلت: تعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه
__________
وأقرَّه الحافظ، وردّه العيني فقال: فتح النون هو الصواب وهو الأصل, كما في قوله: المسمون؛ إذ لا يقال فيه بضم الميم, وتشبيه القائل المذكور بالمتطهرون غير مستقيم؛ لأن هذا صحيح وذاك معتلّ اللام, وكل هذا عجز, وقصور عن قواعد علم التصريف.
كذا قال وأقرَّه المصنّف وردَّه شيخنا بأن الصواب خلافه لما علل به, وأمَّا تشبيهه بالمسمّون فهو من اشتباه اسم الفاعل باسم المفعول، فإن النون في اسم الفاعل مكسورة, ومفتوحة في اسم المفعول, فيفعل فيها ما ذكر, وقياس اسم الفاعل من سمي المسمون بضم الميم الثانية جمع المسمَّى.
وفي التقريب قال الأزهري: تميت الشيء قدرته, والفاعل متمنٍّ والجمع متمنون -بضم النون, والأصل متمنيون, ومثله قاضون وأصله قاضيون, "ثم قلت: "يأبى الله" إلّا خلافة أبي بكر "ويدفع المؤمنون" خلاف غيره لاستخلافي له في الإمامة الصغرى "أو" قال صلى الله عليه وسلم: "يدفع الله" خلافة غيره "ويأبى المؤمنون" إلّا خلافته, شك الراوي في التقديم والتأخير.
وفي رواية لمسلم: "ادعو إلي أبا بكر أكتب له كتابًا, فإني أخاف أن يتمنَّى متمنٍّ ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر" , وللبزار: "معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر"، ففيه إشارة إلى أن المراد الخلافة وهو الذي فهمه البخاري, وبوّب عليه في كتاب الأحكام باب الاستخلاف.
قال الكرماني: وفائدة إحضار ابن الصديق معه في العهد بالخلافة ولم يكن له فيها دخل, أنَّ المقام مقام طيب قلب عائشة، كأنه قيل: كما أنَّ الأمر مفوّض إلى أبيك كذلك الاشتوار في ذلك بحضرة أخيك فأقاربك هم أهل مشورتي.
"وقوله: "بل أنا وا رأساه" إضراب بمعنى: دعي ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي" فإنك لا تموتين في هذا الأيام من هذا الوجع, بل تعيشين بعدي، علم ذلك بالوحي.
"فإن قلت: قد اتفقوا على كراهة شكوى العبد كربه، وروى أحمد" الإمام "في" كتاب الزهد عن طاوس" بن كيسان اليماني، "أنه قال: أنين المريض" تأوه, وتوجّعه "شكوى".
وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية، أنَّ تأوه" توجّع "المريض مكروه" تنزيهًا, "قلت: تعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه

الصفحة 88