كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

ولما ذكر الأنعام، أتبعه بذكر المنافع المقصودة منها، وهي إما ضرورية، أو غير ضرورية، فبدأ بذكر المنافع الضرورية؛ فقال: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} وقد ذكر هذا المعنى في آية أخرى، فقال سبحانه: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إلى حِينٍ} [النحل: 80] .
والمعنى: ملابسُ ولحفاءُ يستدفئون بها، ثم قال: «ومَنافِعُ» والمراد ما تقدم من نسلها ودرِّها.
ثم قال: {وَمِنْهَا تَكُلُونَ} ، «مِنْ» ها هنا لابتداء الغاية، والتبعيض هنا ضعيفٌ.
قال الزمخشري: «فإن قلت: تقديم الظرف مؤذنٌ بالاختصاص، وقد يؤكل من غيرها، قلت: الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس، وأمَّا غيرها من البط والدجاج ونحوها من الصَّيد، فكغير المعتد به؛ بل جارٍ مجرى التَّفكُّهِ» .
قال ابن الخطيب: «ويحتمل أن غالب أطعمتكم منها؛ لأنَّكم تحرثون بالبقر، والحب والثّمار التي تأكلونها، وتكتسبون بها، وأيضاً بإكراء الإبل وتبيعون نتاجها، وألبانها، وجلودها، وتشترون بها جميع أطعمتكم» .
فإن قيل: منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللَّبس، فلم أخَّر منفعة الأكْلِ في الذكر؟ .
فالجواب: أنَّ الملبوس أكثر من المطعوم؛ فلهذا قدِّم عليه في الذِّكر فهذه المنافع الضرورية الحاصلة من الأنعام، وأمَّا المنافع غير الضرورية الحاصلة من الأنعام فأمورٌ:
الأول: قوله {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} كقوله {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} .
و «حِينَ» منصوب بنفس «جمالٌ» أو بمحذوفٍ، على أنه صفة له، أو معمولٌ لما عمل في «فِيهَا» أو في «لَكُمْ» .
وقرأ عكرمة، والضحاك، والجحدري - رحمهم الله -: «حِيناً» بالتنوين؛ على أنَّ الجملة بعده صفة له، والعائد محذوف، أي: حيناً تريحون فيه وحيناً تسرحون فيه، كقوله: {واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ} [البقرة: 281] وقدِّمت الإراحة على [السرح] ؛ لأنَّ الأنعام فيها أجمل لملءِ بطونها وتحفُّل ضروعها، بخلاف التسريح؛ فإنها عند خروجها إلى المرعى تخرج جائعة عادمة اللَّبن ثم تتفرق وتنتشر.
فصل
قد ورد الحين على أربعة أوجهٍ:
الأول: بمعنى الوقت كهذه الآية.

الصفحة 13