كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

وصفها في آخر الآية بقوله - عَزَّ وَجَلَّ - {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} وهذا لا يليق إلاَّ بالإبل فقط.
والجواب: أنَّ هذه الآيات وردت لتعديدِ منافع الأنعام، فبعض تلك المنافع حاصل في الكلِّ، وبعضها يختص بالبعض، لأنَّ قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} حاصل في البقر والغنم أيضاً.
{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} بخلقه حيث جعل لهم هذه المنافع.
فصل
احتجَّ منكرو كرامات الأولياءِ بهذه الآية، لأنَّ هذه الآية دلت على أنَّ الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلدٍ إلى بلدٍ إلا بشقِّ الأنفس، وحملِ الأثقالِ على [الجمال] ، فيكون الانتقال من بلدٍ إلى بلدٍ بعيدٍ في ليلةٍ واحدةٍ من غير تعبٍ، وتحمُّل مشقة خلاف هذه الآية، فيكون باطلاً.
ولمَّا بطل القول بالكرامات في هذه الصورة، بطل القول بها في سائر الصُّورِ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
والجواب: أنَّا نَخُصُّ هذه الآية بالأدلَّة الدالة على وقوع الكرامات.
قوله: {والخيل والبغال والحمير} العامة على نصبها؛ نسقاً على الأنعام، وقرأ ابن أبي عبلة برفعها على الابتداء، والخبر محذوف، أي: مخلوقةٌ ومعدَّة لتركبوها، وليس هذا ممَّا ناب فيه الجارُّ مناب الخبر لكونه كوناً خاصًّا.
قال القرطبي: «وسُمِّيت الخيل خيلاً لاختيالها في مشيها، وواحد الخيل خائل، كضَائن واحد ضأن. وقيل: لا واحد له، ولما أفرد - سبحانه وتعالى - الخيل، والبغال، والحمير، بالذكر؛ دلَّ على أنَّها لم تدخل في لفظ الأنعام. وقيل: دخلتْ؛ ولكن أفردها بالذكر لما يتعلق بها من الركوب، فإنَّه يكثر في الخيل والبغال والحمير» .
قوله: «وَزِينَةً» في نصبها أوجهٌ:
أحدها: أنه مفعولٌ من أجله وإنَّما وصل الفعل إلى الأول باللام في قوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا} وإلى هذا بنفسه لاختلاف الشَّرط في الأول، وعدم اتحاد الفاعل، وأنَّ الخالق الله والراكب المخاطبون.
الثاني: أنَّها منصوبة على الحال، وصاحبُ الحال إمَّا مفعول «خَلَقَهَا» وإمَّا مفعول «لِترْكَبُوهَا» فهو مصدر، وأقيم مقام الحالِ.

الصفحة 16